من خزائن ذاكرة الأطباء..

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٦/أكتوبر/٢٠١٨ ٠٤:١٧ ص
من خزائن ذاكرة الأطباء..

د. لميس ضيف

في هاشتاج مريض لن تنساه، رسم الأطباء صورا لمرضى حفروا في أذهانهم وشما لا يُنسى. أذكر منه تحديدا طبيبا تحدّث عن امرأة كبيرة في السن توقف قلبها، وما أن أفاقت من الإنعاش الرئوي حتى سارعت بستر الجزء المكشوف من جسدها.. إنه الحياء الجميل يا سادة..

ومن المواقف التي عُرضت.. مشهد مريض هندي أصيب بحادث وكان قد وصل للبلاد للتو، انكفأ على نفسه في زاوية وأخذ ينتحب كالطفل رغم أن إصابته بسيطة.. كان يبكي الغربة والشوق الذي آلمه في تلك اللحظة أكثر من الرضوض بمراحل.. إنها الوحدة التي تكز إلا ضحيتها يا سادة..
وتحدّث طبيب عن أم تمس ابنها الخديج بحنان هادر، نظرت للطبيب وقالت له بأنها تنتظر هذا الإحساس منذ عشرين عاما وغرقت عينها بدموع الفرح.. فرح فرج ظنّته لطول اليأس أنه لن يأتي.. وفرح لقيا طفل ولد ليدفئ قلباً كاد يتجمد من الحسرة.. إنها رحمة الله يا سادة الذي يقول «كُن فيكون»..
ومن المرضى الذين تحدّث عنهم الأطباء، مريض ستيني، قالوا له إنه مصاب بالسرطان ففاجأ الطاقم بجوابه «وغير المصاب بالسرطان لا يموت! كلنا سنموت، هل لديكم علاج أم أعود لبيتي».. تصرّف وكأن ما ألمّ به أمر عابر. لم يجزع ولم ينصدم فهو مؤمن بأنه سيموت في يومه لهذا السبب أو لذاك.. وأن الموت قدر لا مفر منه وهو مستعد له في أي وقت أتى ومتقبل للهيئة التي سيأتي بها.. إنه الإيمان بالله يا سادة، وبعدل القضاء ونفوذ القدر.
وتحدّث طبيب عن رجل يتعالج أملا في الإنجاب، أخبره بأنه وأخويه الاثنان يعانون جميعا من ضعف عام حرمهم جميعا من لذة الإنجاب وأنهم تلقوا علاجات شعبية وحديثة ولم ينجح أحد منهم في الإنجاب للآن. وفي لحظة ما أطرق الرجل بحزن واعترف لطبيبه أن والده ظلم أخته فدعت عليه أن يقطع الله نسله من هذه الدنيا وأنه يخشى فيما يخشاه أن يكون هذا هو داؤهم الذي لا دواء له.. إنها دعوة المظلوم يا سادة.. التي لا تُرد ولا تُنسى..
هذا الوسم، وما ورد فيه من قصص عابرة، يفتح الخيال لتأمل حياة الناس، وصيرورة الدنيا وحبكة الأقدار، وفيه مواساة ورسائل تحذيرية أيضا لمن تمنعه الأنانية وحب الذات من رؤية غيره، وفيه من العبر الكثير لمن يعتبر بتجارب الآخرين.

lameesdhaif@gmail.com