متنزه القرم الطبيعي يستغيث!

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٦/أكتوبر/٢٠١٨ ٠٣:٥٠ ص
متنزه القرم الطبيعي يستغيث!

علي بن راشد المطاعني

متنزه القرم الطبيعي أحد المنتزهات الطبيعية في محافظة مسقط الذي يعد متنفسا للكثير من العائلات التي لم يبق لها من الشواطئ للتنزه إلا القليل بحكم الزحف العمراني نحوها وتآكلها بحكم التشييد والبناء، غير أن (المنتزه) أو حديقة القرم سابقا لم تسلم من التقطيع وخدش حيائها الطبيعي الأخاذ من خلال ممارسات كثيرة تراوحت بين إنشاء مطاعم ومحلات تجارية ومساكن للعمال ومدارس لتعليم ركوب الخيل ومخازن للسكراب وملاعب كرة قدم وسلة وغيرها، كما لم تسلم من الزحف السكاني المشوه للمظهر العام، الأمر الذي يتطلب تدخلا عاجلا لوقف هذه الممارسات.
فهذه الحديقة أو المتنزه كما ترغب البلدية تسميته تتوسط محافظة مسقط وتقع في أفضل منطقة فيها على الإطلاق وتضم في ثناياها أشجار مثل القرم والنباتات على اختلافها، وهي بهذا التنوع الأخضر الجميل تساهم مساهمة جادة في حفظ التوازن البيئي الدقيق بالمحافظة فضلا عن مساهمتها في تنقية الأجواء من المؤثرات السالبة والضارة بها، وبالتالي لم نجد مبررات كافية للبلدية إزاء الذي حدث ويحدث فيها، فحتى العوائد التجارية لا يمكنها أن تجبر ضرر التشوهات التي أحدثتها الإنشاءات والتعديات والاستقطاعات التي تتعرض لها ما برحت.
إن الحدائق ‏أو المنتزهات الطبيعية كما يحلو لبلدية مسقط تسميتها، يفترض جدلا ومنطقا وواقعا أن تظل هكذا طبيعية ليتسق المسمى مع الواقع، لا يتغير ولا يتبدل بأي حال من الأحوال، فهناك الكثير من النماذج في العالم لحدائق طبيعية ما برحت محافظة على نقائها بغير خدش أو خدوش لذلك ظلت معالم طبيعية يتنفس فيها الناس أكسجين طبيعي غير مختلط بعوادم السيارات ولا بغاز ثاني أو أول أكسيد الكربون، فيجدون فيها الاسترخاء والدعة في أحضان الطبيعة بأشجارها وأزاهيرها وبخرير مياهها وبزقزقة وتغريد عصافيرها، ومن يرغب في ممارسة هوايات المشي أو الركض مابين الخمائل والجداول والورود فهناك متسع كذلك، وفيما بعد ذلك يعودون لمنازلهم وفي نفوسهم استعداد فطري لبذل المزيد في ساحات العمل والإنتاج.
لا أعرف في الواقع أين أعضاء مجالس البلدية والشورى من كل هذا الذي يجري ويحدث، فالحفاظ على هذه المكونات الطبيعية عالية القيمة والثمن من مسؤوليتهم، وتقع تحت دائرة اختصاصهم كأعضاء يمثلون المجتمع افتراضا محمودا، بيد إننا لم نشهد لهم تحركا في هذا الشأن لكف الأذى عن هذه الثروات الطبيعية التي لا غنى عنها لأي مجتمع.
ثم نسأل في براءة كيف يتسنى للناس الاستمتاع والاستفادة من هذه الحديقة أو المنتزه في ظل هذا الذي يجري جهارا نهارا، ونحن على يقين أن الأمر وإن قدر له الاستمرار بهذا النحو فإننا قد نجد المنتزه وقد تحول إلى أثر بعد حين في بضع سنين قادمات لا قدر الله.
بلدية مسقط وفي سبيل إضفاء الشرعية على الواقع أعدت أو طالبت بتعديل قانون بلدية مسقط، الذي منحها حق الاستثمار في أراضيها، حيث نصت المادة السابعة مكرر "للبلدية استثمار أراضيها، وإجراء التعاقدات المتعلقة بها طبقا للأغراض المخصصة لها (السكني التجاري، التجاري، الصناعي) ولكن هذا التعديل إن كان سيفضي في نهاية المطاف إلى اختفاء المتنزه أو تحوله إلى غابات إسمنتية، ففي حال كهذا لابد من إطلاق صافرات الإنذار، تماما كما نفعل الآن.
بل حتى التعديل أصلا لم يجز لها أن تقطع متنزهات مثل القرم بهذا الشكل وتعتدي على المكان وهو في الأصل مكان ومتنزه عام، فالمقصود لبعض الأراضي التي هي في الأصل محددة للاستثمار ولكن ليس أن تقوم بالاستثمار في أراض هي في الأصل محددة للحدائق، فإذا كان هكذا فهم البلدية وحجتها فلن نرى بعد فينة من الزمن أي حديقة عامة.
بل إن المعنيين لن يروق لهم بال إلا بتوزيع أراضي الحدائق وتحويلها إلى أراض للاستثمار، وهكذا نكون قد قضينا على ما يسمى الترويح والاستجمام من أجندتنا.
بالطبع للبلدية الحق أن تستثمر أراضيها وزيادة الإيرادات واستغلالها لبعض الممتلكات العامة لكن الجوانب الطبيعية يجب لا تمس وأن تكون لها خصوصيتها كغيرها من المنتزهات والحدائق في العالم.
نأمل من بلدية مسقط أن توضح للرأي العام ماهية خططها المقبلة في متنزه القرم والحفاظ عليه، فهذا المتنزه أو الحديقة ستظل في الذاكرة العمانية كجزء من إنجازات النهضة المباركة التي حافظت على بقائها طبيعية إلى اليوم، ولماذا طالتها التعديات بإقامة أندية ومراكز ومطاعم وغيرها إلى ماهي عليه من تشوهات.