المعركة التي تخوضها الصين

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٠/مارس/٢٠١٦ ٢٣:٥٨ م
المعركة التي تخوضها الصين

في أوائل فبراير وفيما كانت الصين تحتفل ببداية عام القرد، صدرت نشرة صناديق التحوط الكثيفة التوزيع والتي عكرت صفو الأسواق المالية بالتنبؤ بهبوط حاد للاقتصاد، وانهيار نظام الظِل المصرفي، وانخفاض قيمة الرنمينبي. ولم يَعُد الاستقرار إلا بعد أن شرح محافظ بنك الشعب الصيني تشو شياو تشيوان في مقابلة مع مجلة Caixin منطق سياسة سعر الصرف التي تنتهجها الصين.

بيد أن قدرة الصين على الحفاظ على هذا الاستقرار تعتمد على عدد كبير من العوامل المترابطة، مثل نمو الإنتاجية المتدني، وانخفاض أسعار الفائدة الحقيقية، والتكنولوجيات الجديدة المعطلة للنظم القديمة، والقدرة الفائضة، والديون المتراكمة، والمدخرات الزائدة. والواقع أن المعركة الحالية التي تدور رحاها حول سعر صرف الرنمينبي تعكس التوتر بين مصالح «المهندسين الماليين» (مثل مديري صناديق التحوط التي تعتمد على الدولار) و»المهندسين الحقيقيين» (صناع السياسات في الصين).

من الناحية النظرية، تُعَد أسواق صرف العملات الأجنبية معادلة محصلتها صِفر: فخسارة المشتري تعادل مكسب البائع، والعكس صحيح. ويعشق المهندسون الماليون المضاربة في هذه الأسواق، لأن تكاليف المعاملات منخفضة للغاية والبيع على المكشوف بالاستدانة مسموح به، من دون الحاجة للتحوط في مقابل أصل أساسي. بيد أن سِعر الصرف هو في واقع الأمر سعر أصل ينطوي على تأثيرات اقتصادية غير مباشرة ضخمة، لأنه يؤثر على التجارة الحقيقية وتدفقات الاستثمار المباشر. في الوقت الحاضر، يعكف المهندسون الماليون بشكل متزايد على تشكيل سعر الصرف من خلال المعاملات المالية التي قد لا ترتبط بعوامل اقتصادية أساسية. ولأن الأسواق المالية اشتهرت بتجاوز هدفها، فإذا كسب البائعون على المكشوف من خلال دفع أسعار الصرف والاقتصاد الحقيقي إلى توازن متدني المستوى، فإن الخسائر تتخذ هيئة الاستثمارات، والوظائف، والدخل. بعبارة أخرى، يُعَد مكسب المهندسين الماليين خسارة حقيقية للناس. ولتحقيق هذه المكاسب، يستخدم المهندسون الماليون وسائل الإعلام للتأثير على سلوك السوق. على سبيل المثال، يصور البائعون على المكشوف الهبوط الحاد في أسعار السلع الأساسية والنفط باعتبارها عوامل سلبية، حتى برغم أن انخفاض أسعار الطاقة يعود بفوائد جمة على أغلب المستهلكين ــ بل وحتى بعض المنتجين، من خلال السماح لهم بمنافسة نظرائهم من القِلة المحتكرة في مجال النفط. وتشير بعض التقديرات إلى أن انخفاض أسعار النفط والسلع الأساسية من الممكن أن يضيف نحو 460 بليون دولار إلى ميزان الصين التجاري، ويعوض إلى حد كبير خسائرها من احتياطياتها من النقد الأجنبي في العام 2015.
وعلى نحو مماثل، تجري مناقشة تباطؤ النمو في الصين وارتفاع حجم القروض المتعثرة باعتبارها تطورات سلبية بالكامل. ولكنها أيضاً من الآلام الضرورية على مسار إصلاح جانب العرض بهدف إزالة القدرة الفائضة، وتحسين كفاءة الموارد، والتخلص من الصناعات المسببة للتلوث.ولكن في مواجهة القوى الانكماشية اليوم، كان المهندسون الحقيقيون في الاقتصادات الكبرى على مستوى العالم غير راغبين أو غير قادرين على إعادة التضخم. وتمتنع الولايات المتحدة، الدولة صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، عن استخدام الأدوات المالية لتحقيق هذه الغاية، بسبب القيود السياسية المحلية. ويعكس عزوف أوروبا عن إعادة التضخم الخوف العميق الجذور في ألمانيا من التضخم ولا تستطيع اليابان تضخيم اقتصادها بسبب الشيخوخة السكانية والتنفيذ المتردد للخطة الاقتصادية التي وضعها رئيس الوزراء شينزو آبي، والتي تسمى «اقتصاد آبي». ولا تزال الصين تدفع ثمن إعادة التضخم المفرطة.

زميل متميز لدى معهد آسيا العالمي في جامعة هونج كونج