علي بن راشد المطاعني
ali.matani2@gmail.com
توقفت كثيرا وطويلا في حيرة وذهول وأنا أرى حالة غير مسبوقة من الجنون الإلكتروني عبر الوسائط تستهدف شخصيات عامة بهدف النيل منها ومن مكانتها الاجتماعية والرسمية، والأنكى إن الذي رأيناه يعتبرونه حرية رأي وحرية تعبير، ثم يمضون بعيدا لاعتباره نقدا بناء ومشروعا، هنا وقعت الواقعة بالفعل.
فحرية النقد لا تجنح أبدا للتجريح والشتم واستحضار الألفاظ التي يعف اللسان السوي عن ذكرها أو حتى عدها، ما رأيناه كان عملا ممنهجا أُعد له بعناية في إطار الصيد في المياه العكرة ومن ثم استغلال حادثة للنيل من الإنجازات التي تحققت على ثرى هذه الأرض الطيبة.
هؤلاء الهواة الذين ركبوا موجة النقد افتراء عليه في محاولة منهم لبلوغ غايات لهم سامة ومسمومة لن ينالوا من البر شيئا اللهم إلا الحشف من بعد سوء كيل سيجدونه لدينا حاضرا، فوعي المواطن قد بلغ غايات سامقة وعالية، ولن تستطع تلك الأساليب الملتوية أن تنال من شخصياتنا العامة التي نكن لها كل الاحترام والتقدير والتوقير، وبذات القدر لن نسمح لأصحاب الغرض والهوى ببث الأحقاد، فهذا الوطن تاريخا وماضيا وحاضرا كان أبدا مهدا لحضارة بلغت عنان السماء تأدبا وحصافة وتعففا، وما كان الخطاب الإعلامي العماني في يوم الأيام يخرج من عباءة الحشمة، حتى بات المواطن العماني يوصف في كل فج من فجاج الأرض عميق بأنه رجل مؤدب وأصيل وشهم وإنه أبدا ودوما يختار كلماته بعناية وإنه ما كان أبدا بذيئا ولا لعانا ولا فاحشا.
إن تداول ما جرى في إحدى مؤسساتنا العلمية والتعليمية المرموقة ثم تحريفه وتشويه مقاصده بعيدة المدى وعميقة الأغوار بذلك النحو لأمر يدعو للأسف، ثم هو لا يليق بإعلامنا الإلكتروني والذي يتعين عليه أن يعبر عن الوطن خير تعبير، وأن يؤكد على أصالة وعراقة النهج الوطني المعروف والمعترف به أمميا بعيدا عن التجريح والشخصنة.
غير إن ما جرى يدفعنا دفعا لإعادة النظر في المسألة برمتها لنذهب بعيدا في تتبع خيوط الاستهداف الغريب والعجيب والذي حاول أن يوهمنا بوقوع كارثة أو بانشقاق القمر في تلك الليلة الليلاء.
بل إن الإعلام الإلكتروني لا يجب أن يتخذه البعض مطية أو يستغله آخرون كحرب بالوكالة كما يقال عبر الأثير والفضاءات الإلكترونية الأخرى عبر خلط الأوراق والصيد في المياه العكرة والتصيد الممنهج وغيرها من الأساليب التي باتت مكشوفة للكثيرين.
فيجب الكف عن هذه الممارسات التي تشخصن الأمور وتتعدى على ذات الناس بدواعي النقد وحرية التعبير التي تفتقر إلى المهنية بين نقد الموضوع والتعدي على الشخوص بشكل سافر يتجاوز حدود الأدب في الحوار وكياسته وأخلاقيات الإعلام وأدبياته من دخلاء على هذه المهن ومتسلقين لا أكثر، فهذه مهاترات ليس لها مكان من الإعراب في قواميسنا العمانية وقيمنا وأخلاقياتنا العمانية ولا الأعراف الاجتماعية.
بل لا يجب أن ننزلق إلى هذه المتاهات وننزل بحواراتنا إلى الحضيض الأثيري الذي بات أشبه بمعاول الهدم لا أكثر، له غايات شخصية لا يجب أن تتخذ من الإعلام أدوات لتصفية الحسابات، الأمر الذي على الجهات المعنية مراقبة هذا الاتجاه الذي بدأ يتشكل في الساحة المحلية الموجه من الداخل والخارج يهدف دغدغة المشاعر وتأجيج الرأي العام.
على الرغم من أن الحقيقة المثلى لا تعدو أن تكون محاولة لتضخيم حبة قمح لا أكثر ولتبدو بحجم جبل، وهذا لن يكون بطبيعة الحال، وإن زعموا أن هذا قد حدث فعلا فلن ننظر إليه إلا كمحاولة بائسة لإثبات المستحيل، بل ما نشهده من تصيد ممنهج تفوح منه روائح كريهة تعمل بالإنابة أو بالوكالة في شخصنة نقد الشخصيات العامة وإقحام ذواتهم بدوافع مريبة في الحقيقة.
إن المهنية مطلوبة في العمل الإعلامي سواء كان جماهيريا أو إلكترونيا في الطرح بإنصاف وحيادية تكشف مرامي العمل الإعلامي وعدم تطويعه لخدمة مصالح معنية أو تحقيق غايات متدنية، فهذه الأساليب ليس مكانها الإعلام في السلطنة ولا يجب أن نسمح لمثل الفطر أن يتمدد أكثر من اللازم، فهؤلاء يفتقرون لأخلاقيات الإعلام ولم ينهلوا من معينه الصافي ولم يتشربوا من مبادئه القويمة التي لا تسمح باستغلاله في توجيه السهام الشخصية لخدمة أغراض واضحة والإساءة للآخرين أو النيل منهم لأهداف معروفة ومكشوفة للأسف، فالمناعة الجينية غير متوفرة في من يستغلون مساحات التعبير في الأثير الإلكتروني بشكل سيئ للغاية ويحمل سهام الحقد والضغينة المبطنة في أوصالها بالتلاعب بالألفاظ والبلاغة في الكلمات. من الواضح أن الذباب الإلكتروني قد تم حشده ليقدم لنا الباطل على أطباق الحقيقة، وبما أن الباطل سيظل أبد الدهر كما هو، فلن تفلح بالتالي كل تلك المحاولات للي عنق الحقيقة ما بقيت في هذا الوطن ضمائر نظيفة وعقول راجحة وأفئدة توقن أن الحق يعلو ولا يعلى عليه، وسيبقى طنين الذباب في مطلق الأحوال طنينا لن يقدم ولن يؤخر كما لن يغني عن الحق شيئا.
نأمل أن نعيد النظر في مفهومنا لمعنى ومغزى النقد البناء فثمة معان خاطئة قد اختلطت بهذا المعنى النبيل وبالنحو المزري الذي رأينا، فالعودة لجادة الصواب هي في كل الأحوال فضيلة.