باولا سوباتشي
تصدرت حكومة إيطاليا الائتلافية، المشكلة من حركة خمس نجوم المناهضة للمؤسسة وحزب الرابطة اليميني المتطرف، عناوين الصحف في الآونة الأخيرة بسبب مشروع ميزانيتها الجديدة، الذي ينتهك قوانين الاتحاد الأوروبي. لكنها ليست تقريبا أول حكومة إيطالية تقدم وعودا مبالغا فيها وتهدر مال العامة لتدفع لهم. في الحقيقة، إذا نظرنا في كل ما يقال وما يجري، سنجد أن شعبوية إيطاليا الجديدة ليست جديدة على الإطلاق.
تُنبئ الميزانية المقترحة للحكومة بزيادة في الاقتراض لتمويل عجز نسبته 2.4 من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2019 والعامين التاليين. ورغم عدم تخطي هذه النسبة للسقف المحدد من قبل الاتحاد الأوروبي لعجز الميزانيات، وهو 3% من الناتج المحلي الإجمالي، فهي تتجاوز بكثير النسبة التي اتفق عليها وزير المالية بشكل غير رسمي مع الاتحاد الأوروبي خلال الصيف وهي 1.6%.
وأقل ما يوصف به الإقدام على زيادة المستهدف لعجز ميزانية 2019 أنه تصرف طائش من قِبَل دولة كإيطاليا، التي تعاني من مشاكل بنيوية عميقة ونمو هزيل مزمن. وبالتسبب في تفاقم الحالة السيئة التي آل إليها بالفعل الوضع المالي الهش في إيطاليا، سيصير المجال للتعديل والتكيف ــ حال حدوث صدمات مستقبلية ــ ضيقا محدودا بسبب ارتفاع العجز.
غالبا ما تتصادم الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية طويلة الأمد حتما مع الأهداف السياسية قصيرة الأجل، خاصة عندما يتعلق الأمر بالشعبويين. وليس أمام أحزاب الائتلاف في إيطاليا من سبيل للوفاء بوعودها الكبرى التي تعهدت بها خلال حملتها الانتخابية سوى زيادة الإنفاق اليوم.
فمع تعهد حركة خمس نجوم بشكل ما من أشكال «الدخل الثابت للمواطنين» الفقراء، وتعهد حزب الرابطة بإجراء تخفيضات في الضرائب، يسعى كلاهما لإلغاء الإصلاح الذي أُدخل على نظام المعاشات العام 2011، والذي أدى، بالتوازي مع إجراءات أخرى، إلى رفع سن التقاعد. وينظر حزب الرابطة إلى قضية الوفاء بوعوده الانتخابية على أنها أشد إلحاحا، نظرا لحرصه على دعم تفوقه أمام حلفاء يمين الوسط السابقين ــ وبالأخص حزب سيلفيو برلسكوني «فورزا إيطاليا» ــ بل وأمام حركة خمس نجوم قبل انتخابات البرلمان الأوروبي المقررة العام القادم.
لا شك أن ائتلاف إيطاليا الحاكم يتفاعل، ولو جزئيا على الأقل، مع مخاوف حقيقية وجادة. فقد أدت الأزمة المالية العالمية وما استتبعته من أزمة في منطقة اليورو إلى خفض هائل في مستوى المعيشة لكثير من الأسر، حتى بلغ عدد من يعيشون الآن في فقر مدقع نحو خمسة ملايين شخص. كما انحدر الدخل الحقيقي المتاح للفرد بدرجة كبيرة في الفترة ما بين عامي 2009 و2012، ليبقى حاليا دون مستويات ما قبل الأزمة، والتي كانت بالفعل أقل من المستويات السائدة قبل تبني إيطاليا عملة اليورو. ومع تمتع الأسر الأكبر سنا بدخل حقيقي (وكذلك ثروة) أعلى من تلك المستويات، فإن البيانات المجمعة تعجز عن وصف مدى القتامة التي آل إليها الوضع بالنسبة للأسر الأصغر سنا والمتوسطة العمر.
لكن الاكتفاء بتبديد عشرة بلايين يورو (أي ما يوازي 11.5 بليون دولار) على المشكلة لن يصلحها. «فالدخل الثابت للمواطنين» الذي تعهدت به حركة خمس نجوم لن يكفي لانتشال الناس من الفقر، وقد يؤدي فعليا إلى تفاقم محنتهم إلى حد صرف الأنظار عن نظام الرعاية الاجتماعية الممزق والموجه بشكل سيئ، ناهيك عن الحاجة لإصلاحات بنيوية أوسع.
ووفقا لوضعها الفعلي، تتخلف إيطاليا عن الاقتصادات الأوروبية الكبرى الأخرى من نواحي الناتج، ومعدل التوظيف، ونمو الدخل، مع عجز الأجور عن مواكبة حتى المكاسب الإنتاجية المنخفضة للغاية. وبدلا من تقديم علاج مؤقت، كان يجدر بالائتلاف الحاكم العمل لتعزيز تنافسية إيطاليا، التي قُوضت منذ الأزمة بفعل ضعف تعافي الصادرات الحقيقية وانخفاض الاستثمار، الذي يظل أقل بكثير من متوسط الاستثمار في منطقة اليورو، حيث يقف عند أقل من 9 % من الناتج المحلي الإجمالي.
بل إنه من المستبعد أن يؤيد ناخبو حزب الرابطة أنفسهم برنامج الدخل الأساسي للمواطن، بسبب إدراكهم أنه قد يغذي نوعا من ثقافة التواكل والاستحقاقية التي يعارضها كثير منهم. ويتواكب هذا مع بدء ظهور علامات الشقاق داخل الائتلاف.
في عالم حيث رؤوس الأموال تتدفق بسرعة عبر الحدود، لا تعتبر الأفكار المتزمتة المتعلقة بقضية السيادة غير ملائمة فحسب، وإنما أيضا خطرة، لا سيما وأنها تشعل المخاوف بين المستثمرين الدوليين. وكما تبين تجربة الأرجنتين بوضوح بالغ، يمكن أن يسفر عدم ثقة المستثمرين الدوليين بالحكومات الشعبوية عن اضطراب قوي: فمع سحب المستثمرين أموالهم، تصبح مسألة وقوع أزمة ديون سيادية نبوءة تتحقق ذاتيا.
ورغم عدم وصول إيطاليا إلى هذه المرحلة بعد، فقد ارتفعت العوائد منذ نهاية مايو على السندات السيادية لأجل عشر سنوات بمقدار 210 نقطة أساس، ليصل الفارق بينها ونظيراتها الألمانية إلى أكثر من 270 نقطة أساس. كما باتت كل مكونات الأزمة حاضرة ومنها: توقعات بنمو ضعيف، وموقف مالي سيئ ومتدهور، وقطاع مصرفي هش معرض للديون السيادية بدرجة كبيرة، إضافة إلى عدم وجود خطة ذات مصداقية للإصلاح البنيوي المطلوب.
تشير الشواهد التاريخية إلى أن ثقة الإيطاليين بالاتحاد الأوروبي كانت أكبر من ثقتهم بحكوماتهم. إلا أنه ربما لم تعد الحال كذلك، بمعنى تزايد مخاطر حدوث اندفاع أشد نحو الخروج من الاتحاد. لكن حتى لو بقيت إيطاليا في منطقة اليورو، فمن المرجح أن يتصرف الائتلاف الحاكم كأسلافه إلى حد كبير. وقد يكون الشيء الوحيد الجديد هذه المرة هو مدى الضرر الذي سيسببه هذا الائتلاف.
زميلة رفيعة المستوى في معهد تشاثام هاوس.