ماذا يحدث في اليمن؟!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١١/أكتوبر/٢٠١٨ ٠٤:٤٦ ص
ماذا يحدث في اليمن؟!

علي ناجي الرعوي

بشيء من التمعن في واقع اليمن بعد ثلاث سنوات ونصف من الحرب والدمار سنجد أن هذا البلد قد سقط فعلياً في مستنقع الفوضى والملشنة والتفكك والتشظي بصورة لا نعلم أين ستكون نهايته ونهاية تداعيات الحرب التي قيل إنها جاءت لتنتشله من نفق الصراع على السلطة إلى عصر الدولة المدنية الحديثة التي يتعايش فيها الجميع بوئام واستقرار بعيداً عن نوازع الاستحواذ والغلبة ودورات الدماء والاقتتال التي صارت جزءاً أساسياً من التاريخ اليمني.
فالواقع وبعيداً عن الحالة الإنسانية المروعة ومحنة الأوضاع المعيشية وما نجم عنها من الفقر والجوع والمعاناة اللامنتهية فإن اليمن كدولة لم يعد موجودا بل انه الذي اصبح بحسب وصف بعض خبراء الأمم المتحدة في وقت فائت من هذا العام بمثابة عدة يمنات يطمح كل منها أن يغدو دولة مستقلة بذاتها تمتلك فعل الأمر الواقع، وذلك بعد أن تفككت البلاد عملياً إلى مجموعة من الكنتونات التي يجري شرعنتها بشكل واضح ومكشوف من قبل بعض الأطراف إلى درجة صار من الصعب مجرد التفكير كيف سيكون اليمن المقبل؟ وكيف يمكن إعادة لملمة شتاته في نطاق دولة يمنية واحدة؟
في تعبير مبسط وعميق عن هذه الحالة المعقدة والشائكة حدثتني باحثة يمنية اضطرت مؤخراً للهجرة إلى إحدى الدول الاسكندنافية عن أن اليمن يتمزق ويتشرذم بعمق فيما غالبية اليمنيين لا يبدو أنهم يعبؤون بما يحدث أصلاً ولا يولونه أي اهتمام وكأن الأمر لا يعنيهم من قريب أو من بعيد لتخلص الى القول: إن الدور الذي يتوجب على البقية الباقية من العقلاء القيام به هو منع الكارثة المقبلة التي تنسج خيوطها وتتربص باليمنيين وأجيالهم المقبلة.يعيش اليمن الآن على وقع انقسام سياسي كبير حيث يدار بأربع حكومات منفصلة فهناك حكومة في صنعاء تقودها حركة أنصار الله في حين نجد أن حكومة الرئيس هادي المعترف بها دولياً تفقد تأثيرها على الأرض في المناطق الجنوبية والشرقية بدخول المجلس الانتقالي الجنوبي كفاعل سياسي جديد أصبح يتصرف كدولة مستقلة محمية من أحد الأطراف الإقليمية وفي المقابل تبرز هناك سلطة تتمتع بالحكم الذاتي في مأرب ويقف خلفها حزب سياسي كبير وفي حضرموت ومناطق أخرى تم استبدال الدولة المركزية بسلطات محلية تدير هذه المناطق وصار لها أجهزة أمنية وقوات عسكرية تقاتل عنها، وهذا الانقسام الذي يتكرس يوما بعد يوم في ظل عدم وجود بوادر أمل لوقف الحرب والخروج من الأزمة القائمة في الوقت الراهن أو حتى على المدى القريب أو المتوسط لا شك وأن ذلك أصبح من الأسباب التي أدت إلى تسليم اليمنيين بالأمر الواقع وتكيفهم مع هذا الوضع الذي تسعى بعض الأطراف الخارجية الى فرضه والاستفادة منه قدر المستطاع باعتبار أن السلام في اليمن و وجود دولة قوية تبسط سلطتها على كامل البلاد لا يخدم مصالح وأجندات تلك الأطراف.
ليس جديداً القول: إن اليمن قد تجاوز مسألة الصوملة التي علقت في أذهاننا لسنوات عديدة حتى أننا لم نعد نرَ مشهداً أكثر قتامة من الصومال الا أن اليمن مع الأسف الشديد اصبح في مرحلة ما بعد الصوملة وخير دليل على ذلك هو أن الوضع الملموس في اليمن اصبح اعقد من مفاهيم التسويات التقليدية والجولات التشاورية والتفاوضية فما يحدث في هذا البلد خرج عن إطار المعقول ولم يعد يتقبله أي عقل فقد تحول الى عالم يحكمه الخراب والعنف والجنون المطبق وعوضا عن التآمر الذي يمارس عليه بطريقه ممنهجة ومعدة سلفا وكأن ما يجري اليوم على الأرض اليمنية لا يختلف عن تلك الكارثة التي أحاقت بها في القرن الثامن قبل الميلاد حينما انهار سد مأرب واندفعت المياه لتنهي واحدة من أعظم الممالك في ذلك العصر.
تقول إحدى الأساطير اليمنية إنه وفي عهد الملك عمرو بن عامر الذي حكم اليمن في القرن الثامن قبل الميلاد رأت كاهنته التي كانت تدعى (طريفة) في منامها أنه وفي ما كان الناس يعيشون في راحة ورخاء غشيت سحابة أرضهم وأرعدت وأبرقت ثم صعقت فدمرت وأحرقت كل شيء ففزعت (طريفة) من هول ذلك المشهد وأصابها ذعر شديد استيقظت على اثره من النوم وهي تردد والعرق يتصبب من كل جسدها: ما بعد هذا إلا الغرق.. ما بعد هذا إلا الغرق وفيما ظل أهل السلطة ومن خلفهم العامة من الناس مشغولون في البحث عن تفسير مناسب لحلم الكاهنة (طريفة) استغل فار عابث كما تقول الأسطورة غفلة الناس عنه بقرض العوارض الخشبية داخل جسم سد مأرب حتى انهار السد وانهارت معه مملكة سبأ وحياة بأكملها واندثرت جنان وعيون وتشتت اليمنيون والقبائل والأسر والعشائر العربية التي كانت تسكن خلف ذلك السد في أصقاع الأرض جياعاً منكسرين ومنذ ذلك الحين لم تقم لليمن – جنة الدنيا ومهبطها السعيد – قائمة.
وجه التشابه هنا ليس بالشكل وإنما هو في معنى التخريب والنخر الذي تتعرض له الآن أركان الدولة اليمنية وبنيتها فيما أحفاد أولئك الذين انهوا مملكة سبأ العظيمة قبل 3 آلاف عام يكررون نفس الخطأ الذي ارتكبه أجدادهم وذلك بانشغالهم بخلافاتهم وصراعاتهم ليتركوا فئران العصر تقوم بتفتيت بلادهم ووطنهم.
كاتب يمني