فوضى التعرفة الجمركية على الصين

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٠/أكتوبر/٢٠١٨ ٠٤:٠٨ ص
فوضى التعرفة

الجمركية على الصين

مارتن فليدستاين

إن السؤال الأكثر شيوعا والذي يتم طرحه علي عندما أتكلم مع الناس غير الاقتصاديين، يتعلق بالتعرفة الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على الواردات من الصين. لماذا تفعل إدارة ترامب ذلك؟ أليست التعرفة هي بمثابة ضريبة على البضائع التي يشتريها المستهلكون الأمريكان؟ لماذا يعتقد ترامب أن بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية أن تفوز بالحرب التجارية مع الصين؟ كيف سيرد الصينيون على التعرفة الحالية والتهديد بفرض المزيد منها؟ وهكذا دواليك.

عادة ما أبدأ جوابي، من خلال التأكيد مثل معظم الاقتصاديين تقريبا على كوني أعارض التعرفة الجمركية بشكل عام، وأنا أيضا أفضل بيئة لا تتدخل فيه الحكومات بالواردات والصادرات ويمكن للولايات المتحدة أن تنشط من خلالها وبكل حرية في الدول الأجنبية.

أنا أقر أنه يوجد لدينا عجز تجاري ضخم مع بقية العالم -حوالي 800 بليون دولار أمريكي هذا العام أو 4 % من الناتج المحلي الإجمالي- وأن عجزنا التجاري مع الصين يشكل حوالي نصف ذلك الإجمالي -حوالي 400 بليون دولار أمريكي- ولكني كنت دائما أوكد أن العجز التجاري الإجمالي يعكس حقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية، تنفق أكثر مما تنتج مما يتطلب منا الحصول على الفرق من صافي الواردات.
إن من الصعب معرفة لماذا تفرض الولايات المتحدة تعرفه جمركية، وذلك لأن الإدارة لم تذكر بشكل صريح ما الذي تحاول تحقيقه من خلال عمل ذلك، إن أحد أسباب ذلك الغموض هو أن هناك العديد من المسؤولين الذين يتنافسون على التأثير على السياسة الأمريكية المتعلقة بالتجارة مع الصين: وزير الخزانة ستيفن منوشين والممثل التجاري الأمريكي روبرت لايثيزر ومدير التجارة وسياسة التصنيع في البيت الأبيض بيتر نافارو ووزير التجارة ويلبر روس.
عندما ذهب منوشين لبيجين قبل بضعة أشهر للتفاوض مع الصينيين، أحضر معه قائمة طويلة من التغييرات في السياسة الاقتصادية الصينية والتي تريد الولايات المتحدة أن تطبقها الصين بما في ذلك إنهاء ليس متطلب نقل التقنية فحسب، بل أيضا دعم الحكومة الصنية للصناعات المختلفة. لقد رفض المفاوضون الصينيون قائمة منوشين وجادلوا بأنها طويلة جدا وتسعى لتغيير طبيعة السياسة الاقتصادية الصينية.
إن ترامب وغيره من المسؤولين الأمريكيين يعتقدون أن حرب التعرفة الجمركية مع الصين يمكن الفوز بها لأن الصادرات الصينية هي حوالي أربعة أضعاف الصادرات الأمريكية للصين وعليه يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تفرض عبئا أكبر بكثير على الصادرات الصينية مقارنة بما يمكن أن يفرضه الصينيون على الصادرات الأمريكية، كما أن الاقتصاد الصيني هو أكثر اعتمادا وبشكل كبير على الصادرات مقارنة بالاقتصاد الأمريكي.
إن التعرفة هي في واقع الأمر ضريبة على المستهلكين الأمريكيين والشركات التي تستخدم المنتجات الصينية في عمليات الإنتاج، ولكن زيادة الأسعار التي يدفعها الأمريكيون مقابل الواردات الصينية وما ينتج عن ذلك من خسارة في الدخل الحقيقي هي محدودة جدا. إن الواردات السنوية من الصين تصل بالإجمالي إلى 500 بليون دولار أمريكي ولو فرضت الولايات المتحدة الأمريكية تعرفة بمقدار 25% على جميع الواردات فإن الارتفاع في التكلفة على المشترين الأمريكيين -على افتراض أنه لا يوجد تغيير في الأسعار التي يفرضها المصدرون الصينيون- سيكون 125 بليون دولار أمريكي ونظرا لإن الدخل القومي الأمريكي يتجاوز 20 تريليون دولار أمريكي فإن الزيادة السنوية ستكون أكثر من 0,5 % بقليل من إجمالي الإنفاق الأمريكي، ونظرا لإن من المحتمل أن يلجأ المصدرون الصينيون إلى تخفيض أسعار بعض منتجاتهم فإن زيادة التكلفة على المشترين الأمريكان ستكون أقل من 125 بليون دولار أمريكي، وبالإضافة إلى ذلك فإن المشترين الأمريكان سينقلون بعض من مشترياتهم إلى منتجات الشركات الأمريكية أو الواردات من دول أخرى مما يقلل من إجمالي التكلفة.
باختصار فإن تكلفة فرض التعرفة لن تكون ضخمة مقارنة بالمكاسب التي سيتم تحقيقها لو نجحت الولايات المتحدة في إقناع الصين بالتوقف عن الاستيلاء على تقنية الشركات الأمريكية بشكل غير قانوني. يجب على البيت الأبيض أن يعلن بوضوح أن هذا هو هدف السياسة الأمريكية وبأنه يمكن التخلي عن التعرفة عندما تتقيد الصين بالتزاماتها تجاه منظمة التجارة العالمية.

أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد ورئيس فخري للمكتب

الوطني للأبحاث الاقتصادية كما ترأس مجلس المستشارين
الاقتصاديين للرئيس رونالد ريجان من سنة 1982 إلى 1984

مارتن فليدستاين