رناد البلوشية استمري هكذا..

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٠/أكتوبر/٢٠١٨ ٠٣:٤٥ ص
رناد البلوشية استمري هكذا..

علي بن راشد المطاعني

شاهدت المقابلة التي أجراها تلفزيون سلطنة عُمان الأسبوع الفائت مع الفتاة العُمانية النابغة لغويا وثقافيا وفكريا رناد بنت صالح البلوشية بكل تفاصيلها الإبداعية، لأخرج بعدها بقناعة تامة أن هناك مستقبلا أدبيا باهرًا بحول الله ينتظرها خلف الحُجب، لقد أوضحت لنا كيف تعلمت القراءة وحب الاطلاع والاستزادة مما في بطون الكتب، وأن والديها كان لهما الفضل والقدح المعلى في كل ذلك، وإنه ومن خلال مكتبة البيت التي تعج بأمهات الكتب في مختلف الحقول المعرفية استطاعت أن تنطلق لا تلوي على شيء في التهام هذه المكتبة الثرية، وأنها عندما تتحدث اللغة العربية الفصحى فقط فإنها تراها الأحق بالالتزام بها، وكانت لغتها العربية مثار دهشتنا وإعجابنا وتصفيقنا في هذا اللقاء، بخاصة وأنها فتاة صغيرة لم تبلغ الخامسة عشرة من عمرها إلا منذ أيام قليلة فقط.
رناد سائرة وماضية في تقديم إبداعاتها الثقافية والفكرية وفي كتابتها للقصة القصيرة وفي سعيها للنيل من روائع الأدب العالمي، والجميل أنها تحدثت عن طموحاتها المستقبلية، حيث تروم دراسة الطب بأمريكا، وبذلك يلتقي الطب والأدب في مركب واحد لصالح الإنسانية جمعاء دون شك.
وما إن قام التلفزيون برفع هذه المقابلة الجميلة على قناة يوتيوب حتى حازت على أكثر من 77.000 مشاهدة حتى لحظة كتابة هذه السطور خلال أقل من أسبوع واحد فقط في سابقة نادرة في مثل هذه المواد الفيلمية ولهذه الفئة العمرية، هذه النتيجة الكاسحة تثلج الصدر وتسعدنا بالتأكيد؛ إذ تعني فيما تعنى إقرار الناس أن رناد في طريقها لتكون ضمن كُتّاب القصة والمقالات المبدعين في عمان بحول الله، خاصة وإني قرأت في بعض المواقع إشادة بها من قبل بعض الأدباء العمانيين المعروفين مثل عبدالله حبيب الذي وصفها مرة على صفحته في الفيس بأنها أخطر قارئة في التاريخ العماني المعاصر، بالإضافة إلى د. فاطمة العلياني التي دائما ما تشيد بها، وغيرهما، وهذا شرف لوطنها ولها ولوالديها اللذين يعود إليهما الفضل بعد الله في هذا المستوى الباهر والمبهر الذي وصلت إليه ابنتهما.
ونحن وسط دائرة الفرح والابتهاج تلك، فوجئنا بتهجم البعض على هذه الفتاة الصغيرة عبر شتائم وألفاظ يعف لساننا عن ذكرها تأدبا، في ظاهرة تستحق التوقف عندها طويلا، إذ لا ندري هل هناك ثمة نفوس معتلة في حاجة ماسة لعلاج نفسي أم أن هناك دوافع أخرى قد تندرج تحت إطار الحسد المنهي عنه من رب العالمين، لا ندري في الواقع ما سبب هذا المخزي والمؤسف الذي وقع وحدث، وبما أن الأمر يمكن النظر إليه إجمالا باعتباره حالة مرفوضة هنا فإن القانون العُماني كفيل بإعادة الأمور إلى نصابها لاسيما وإنه قد تناهت إلى أنوفنا روائح عنصرية منتنة كما وصفها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.
فالواقعة لها أبعاد خطيرة على المجتمع برمته إذ أنها ستلقي بظلال قاتمة على المستقبل الثقافي والإبداعي لأجيالنا القادمة، إذ الخوف سيبقى مسلطا على رقاب كل المبدعين الصغار خوفا من أن يتعرضوا لما تعرضت له رناد ظلما وبهتانا مبينا، وهنا تكمن خطورة هذه السابقة المخزية.
نأمل أن نترفع عن هذه السلوكيات المشينة والمدانة بأشد العبارات وأن تضع الجهات المختصة حدا لها من خلال التحذير منها من بعد التلويح بعصا القانون القادرة على استئصال الظاهرة ومن جذورها، فما كنا يوما بهذا النحو من السوء، كنا أصحاب فضل وفضائل وأهل تقوى مؤطرة بالإيمان، ثم نقول لابنتنا رناد لا تبتئسي صغيرتي فقط امضي في طريق النور الذي أنت سائرة فيه أصلا، وعُمان كلها من خلفك تصفق لك وعلى الدوام.