علاج أزمة فنزويلا

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٣/أكتوبر/٢٠١٨ ٠١:٤٤ ص
علاج أزمة فنزويلا

ريتشارد هاس

لقد كشفت صحيفة نيويورك تايمز مؤخراً أن إدارة الرئيس دونالد ترامب قد عقدت اجتماعات مع ضباط عسكريين فنزويليين ثائرين والذين كانوا يخططون للإطاحة بحكومة نيكولاس مادورو وفي نهاية المطاف تراجع صناع السياسة الأمريكيين عن الفكرة ولكن وهذا ليس مفاجئاً كانت ردة الفعل على المقال سلبية في معظمها. في واقع الأمر، توجد أسباب جيدة لمعارضة أي انقلاب في فنزويلا مدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية فالعديد من المشاركين المحتملين من المرجح أن تكون سمعتهم سيئة وذلك نظرا لارتباطهم بتجارة المخدرات وسجلهم المتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان. إن من شبه المؤكد أن يفشل مثل هذا الانقلاب وسيعطي حكومة تمارس بالفعل أعمال القمع مبرراً إضافياً لقمع معارضيها.

إن من الخيارات الأخرى هو تدخل مسلح بقيادة الدول المجاورة لفنزويلا والتي تأثرت سلبا بتدفق اللاجئين والذين وصل عددهم بالفعل الى 2-4 مليون شخص وهذا العدد يزداد بمعدل 50000 -100000شخص شهريا ولو قادت تلك الدول مثل هذا التدخل فإنه لن يكون لتلك الدول نفس الأثر السياسي السلبي لعملية عسكرية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

لكن هذا السيناريو كذلك يمكن استبعاده وذلك بسبب النزعة الإقليمية المعادية للتدخلات العسكرية وحقيقة أن الدول المجاورة لفنزويلا تفتقد الوسائل لتنفيذه ففنزويلا هي تقريبا ضعف حجم العراق ولديها 100000 مواطن مسلح ومليئة بضباط المخابرات الكوبيين الذين يساعدون النظام وأي تدخل لن يكون بمثابة نزهة.
إن منتقدي التدخل يفضلون فرض عقوبات اضافية على كبار المسؤولين وهذا يمكن تبريره ولكن لا يوجد سبب يدعونا للاعتقاد أن عمل ذلك سيكون حاسما وخاصة أن الصين تقدم مبالغ ائتمانية ضخمة بدون أي شروط. إن الاقتراح الثاني بتقديم دعم ذو معنى للاجئين سيكون مكلفا وهو خيار غير واقعي بالنسبة للعديد من البلدان علما أن مثل تلك السياسات تتعامل مع الأعراض وليس سببها.
إن مستقبل فنزويلا قاتم فالاقتصاد تقلص بمقدار النصف خلال الخمس سنوات الاخيرة وانخفض انتاج النفط بنسبة مشابهة وهناك تدهور في البنية الأساسية والتضخم يقترب من مليون بالمائة. لقد انتشر الفقر في بلد كان في الماضي واحدا من أغنى دول المنطقة ويمتلك اكبر احتياطات العالم من النفط ولقد انتشرت الجريمة في البلاد وتراجع نظام الرعاية الصحية وانتشر الجوع.
لقد أنشأ مادورو والذي حصل مؤخرا على فترة رئاسية ثانية لمدة ست سنوات وذلك في انتخابات يعتقد معظم المراقبين انها تفتقر للنزاهه جمعية تأسيسية جديدة (من اجل الالتفاف على الجمعية الوطنية التي تتحكم بها المعارضة) وذلك لكتابة دستور جديد من اجل تدعيم حكمه السلطوي وهناك تقارير عن اعتقالات تعسفية وأعمال تعذيب.
ما زلت أشير الى نفس السؤال الذي قمت بطرحه بشكل علني وغير علني في الأشهر الأخيرة وهو ما هو المدى الذي من الممكن أن تسوء فيه الأمور قبل أن يكون العالم مستعدا للتصرف؟ كم عدد الأشخاص الذين يجب عليهم أن يخسروا حياتهم؟ كم عدد الأشخاص الذين يجب أن يصبحوا من اللاجئين؟
يبدو أنه لا توجد أجوبة على تلك الأسئلة ولكن في مرحلة ما سيصبح من غير المبرر تجنبها فالإنكار لا يعتبر استراتيجية.
ولكن في هذه الأثناء فإن الأمور واضحة بالنسبة لثلاثة مواضيع على أقل تقدير وهي:
أولاً، إن عقيدة مسؤولية الحماية أو حق الحماية والذي تم تبنيه بالإجماع من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2005 رداً على مصرع حوالي مليون رجل وامرأة وطفل في رواندا بسبب تقاعس العالم هو حق غير مفعل على الإطلاق فالصين وروسيا توقفتا عن دعم ذلك الحق بعد التدخل الغربي في ليبيا سنة 2011 حيث أصبحت الدولتان تنظران لحق الحماية على أنه ذريعة لتغيير الأنظمة. إن العالم لم يفعل الشيء الكثير سوى مراقبة الدمار في سوريا أو عمل ما هو أسوأ من ذلك من خلال المشاركة في ذلك الدمار حيث فقد نصف مليون شخص حياتهم وأجبر معظم السكان على ترك منازلهم.
إن هذه تعد مأساة كبيرة وهذا لا يعود فقط للأسباب الإنسانية الواضحة ولكن أيضا لأن حق الحماية أدخل مبدأ هاماً وهو أن السيادة تنطوي على التزامات وحقوق وانه عندما تفشل الحكومات في الوفاء بالتزاماتها فإن هذا يعني أنها ستخسر حقوقها المتعلقة بالسيادة علما أننا بحاجة لمثل هذا المبدأ في العالم لإن معظم ما يحصل في البلدان يؤثر على مصالح الآخرين خارج حدودها وعادة ما يكون مثل هذا التأثير كبيراً.
ثانياً، إن الحكومات تخسر الحرب ضد الجريمة والعصابات والمخدرات وأمريكا اللاتينية والتي يوجد فيها أقل من 10% من سكان العالم مسؤولة عن ثلث جرائم القتل على مستوى العالم وما لم يتغير ذلك فإن أفضل الناس سيهربون وهم محقون في ذلك كما ستهرب الاستثمارات وسيكون هناك تباطؤ في النمو الاقتصادي أو سيختفي تماما وهذه قد تشكل حلقة مفرغة وليست حلقة إيجابية.
يتوجب على الحكومات بناء قوات الشرطة والقوات المسلحة وفي الوقت نفسه فإن على الدول الخارجية والتي لديها مصلحة في المنطقة المساعدة وذلك كما كان عليه الحال مع كولومبيا والتي واجهت في العقود الأخيرة تحدي مسلح خطير من داخل البلاد.
ثالثا، تحتاج أمريكا اللاتينية لإصلاح الهيئات الإقليمية الحالية وذلك ابتداءً من منظمة الدول الأمريكية أو تطوير نماذج جديدة للتعاون الإقليمي. إن المتطلب المتعلق بالتوافق قبل العمل يمكن أن ينظر إليه على أنه وصفة للتردد.
إن ما يتعلق بالنقطتين الأخيرتين هو الحاجة لإعادة التفكير بأمن المنطقة فأمريكا اللاتينية قد تجنبت بشكل عام الأبعاد الجيوسياسية والحروب والتي أصابت أجزاء أخرى من العالم ولكن هذه الإجازة من التاريخ قد انتهت فالتهديدات للاستقرار الداخلي هي تهديدات كبيرة وهي في ازدياد وكما هو الحال في فنزويلا فإنه عندما ينهار النظام الدخلي فإن الاستقرار الإقليمي يصبح في خطر بسبب تدفق اللاجئين والعصابات ومهربي المخدرات ولقد حان الوقت أن يتعامل زعماء المنطقة مع البيئة الأمنية التي تتدهور سريعاً في منطقتهم وذلك قبل أن تطغى عليهم.

رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، شغل سابقاً منصب مدير التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأمريكية (2003-2001)