ترودي روبين
مسعود البرزاني، رئيس منطقة الحكم الذاتي في كردستان العراق، لديه رسالة عاجلة إلى قادة العالم:في ظل الفوضى القائمة في الشرق الأوسط وترسخ تنظيم داعش عبر مساحات من سوريا والعراق، حان الوقت الآن لإعادة النظر في حدود المنطقة. ولكن بخلاف ما كان عليه الوضع قبل مائة عام مضت، عندما قسمت كل من بريطانيا وفرنسا العالم العربي، يجب أن يشارك قادة الشرق الأوسط الآن في هذه العملية.
وسيكون جزء من إعادة ضبط الشرق الأوسط، هكذا يأمل برزاني، هو ظهور كردستان عراقية مستقلة. ويريد برزاني إجراء استفتاء غير ملزم هذا العام يطلب فيه من مواطنيه من أكراد العراق تأييد فكرة الاستقلال. (التصويت لن يتضمن إعلانا فعليا للاستقلال).
إن برزاني يفكر في شيء مهم لم تستوعبه الدول الغربية حتى الآن. قال لي برزاني: "هناك بالفعل إعادة رسم لخريطة الشرق الأوسط تجري الآن. إذا نظرت إلى الشرق الأوسط، ستجد أن الحدود القديمة هي على الورق فقط. هناك وقائع جديدة على الأرض الآن".
وهذا بالتأكيد هو الحال في العراق، حيث أدت الإطاحة بالرئيس السابق صدام حسين إلى إطلاق العنان للصراع الطائفي بين السنة والشيعة ما أدى إلى انشقاق البلاد. وفي سوريا، أدى رد فعل النظام الوحشي على الانتفاضة السلمية إلى تمزيق البلاد، إلى حد كبر على أسس طائفية.
لقد فتح هذا الصراع الطائفي الطريق أمام داعش لكي تبني نفسها في المناطق السنية على كلا جانبي الحدود السورية العراقية. وبدون فصل السنة والشيعة عن بعضهم – بدرجة ما، لأنه مازال هناك اختلاط بين السكان في العديد من المجالات – فإن عمليات القتل سوف تستمر. وعمليات الفصل هذه يمكن أن تشمل مناطق فيدرالية جديدة أو عملية فصل بشكل رسمي أكبر. ولكن الحقائق الجديدة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار.
بالنسبة للأكراد، فقد ظلوا يحلمون بالاستقلال منذ معاهدة لوزان عام 1923 بين حلفاء الحرب العالمية الأولى وتركيا ما بعد الإمبراطورية العثمانية. وقد تنصلت وثيقة هذه المعاهدة من وعد بإقامة دولة كردية من بقايا الإمبراطورية العثمانية والسماح لهذه المجموعة العرقية غير العربية بأن يكون لها وطنها الخاص.
لقد كان لأكراد العراق درجة متزايدة من الحكم الذاتي منذ عام 1991، عندما قامت الولايات المتحدة بحمايتهم بمنطقة حظر جوي ضد صدام حسين. وعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية والتوترات السياسية الداخلية، فمازالت المنطقة الكردية هي الجزء الأكثر استقرارا من العراق وأدت دورا كبيرا في التصدي لتنظيم داعش. كما رحبت أيضا بالأقليات، بما في ذلك عشرات الآلاف من اللاجئين المسيحيين واليزيديين.
يقول برزاني إن كردستان العراقية المستقلة يمكن أن تكون واحة من الاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها.
وسألته هل تشمل رؤيته للدولة الأجزاء الكردية المأهولة بالسكان من تركيا وإيران وسوريا، وهي الفكرة التي تزعج كثيرا أنقرة وطهران، فكانت إجابته السريعة: "أعتقد أن كل جزء من كردستان خلال المئة سنة الفائتة له وضعه الخاص. وتركيزنا واستراتيجيتنا منصبان على أكراد العراق فقط".
ويقول منتقدو برزاني إن الهدف من هذا الاستفتاء ليس سوى صرف الأنظار عن مشاكله الداخلية، وأن الحواجز الخارجية أمام الاستقلال عالية:
فالحكومة المركزية في العراق تعارض الاستقلال، وكذلك تعارضه إيران. أما تركيا – التي لها علاقات ممتازة مع أكراد العراق – فمن غير المرجح أن تستريح لهذه الفكرة الآن حيث إنها تخوض صراعا مع أكرادها وأكراد سوريا.
وعلاوة على ذلك، مازالت الولايات المتحدة متشبثة بفكرة عراق موحد، ولن تؤيد استقلال الأكراد، كما ذكر البيت الأبيض ذلك بوضوح للبرزاني.
يقول الرئيس الكردي إنه سيتشاور مع الجيران، ومع بغداد. "الاستقلال لابد أن يستند على المحادثات والحوار والمفاوضات مع الآخرين".
أما بالنسبة لواشنطن، يضيف البرزاني: "إذا لم تكن الولايات المتحدة ضدنا ولا تعارض الفكرة، فسوف نكون ممتنين لذلك جدا".
وعلى الرغم من هذه العقبات، يجب أن تركز فكرة الاستفتاء الاهتمام الدولي على فشل الأشكال الحالية للدولتين العراقية والسورية.
"أعتقد أنه سيكون من الصعب جدا وجود سوريا موحدة مرة أخرى. ولكن الأمر الممكن هو وجود شكل ما من أشكال الاتحاد الفيدرالي أو الكونفيدرالي،" هكذا يشير برزاني، نظرا للطبيعة الطائفية المتعددة للبلاد. وبخلاف ذلك، "فبعد كل ما سفك من دماء من غير الممكن تضميد الجروح هناك".
يقول برزاني إن التدخل الروسي في سوريا، وبخاصة في الحرب ضد داعش، يمكن أن يكون في مصلحة الأكراد إذا نظرنا إلى الحاجة إلى الاستقرار. "قبل بضعة أيام، كان هناك بيان من موسكو أن الفيدرالية هي حل جيد لسوريا، وأنا أعتقد أن هذا بيان جيد". ولكنه سارع ليضيف قائلا: "والأمر يرجع إلى الشعب السوري فهو صاحب القرار".
وفي الحالة العراقية، هل من شأن نظام فيدرالي يعطي السنة منطقة حكم ذاتي لهم على غرار كردستان – سنيستان، مثلا – أن يمكّن الدولة العراقية من البقاء على قيد الحياة؟
قال برزاني: "سنيستان هي إحدى الاحتمالات الممكنة". ثم أضاف وكأنه يمزح: "على الأرض يوجد هذا بالفعل، وهي تسمى داعشستان. لقد التهمت داعش كل الحدود بين سوريا والعراق".
وعندما يتعلق الأمر بالأكراد، أصر برزاني على أن الاتحاد الفيدرالي الحالي بين عرب العراق وكردستان قد "فشل بشكل علني. ولو أنه كان قد نجح، لما كانت خططنا لإجراء استفتاء موضوعة الآن على الطاولة".
"شعبنا هو الذي يجب أن يقرر إن كان الاتحاد الفيدرالي أمرا ممكنا، ولكن الوضع الحالي غير ممكن. لا يمكننا الاستمرار على هذا المنوال إلى الأبد".
بخلاف النظام الفيدرالي – أي حكومة مركزية واحدة، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية – فإن النظام الكونفيدرالي يعني ارتباط فضفاض بين دولتين مستقلتين.
من الناحية المثالية، ينبغي على استفتاء برزاني – بغض النظر عما سينتج عنه – أن يحث جيرانه في العراق والغرب على تفكير جديد. فمن ناحية، يجب على واشنطن أن تدعم فكرة برزاني المتعلقة بالكونفيدرالية، فهي الشكل الذي يمكن (بالكاد) أن يجمع شتات العراق. ومن ناحية أخرى، يجب على الغرب النظر في اقتراحه بعقد "مؤتمر دولي مع القوى الكبرى والقوى الإقليمية من أجل التوصل إلى توافق جديد ... وترجمة ذلك إلى نظام جديد أوسع في المنطقة" قد يكون أكثر استقرارا.
* كاتبة عمود في الشؤون الخارجية في صحيفة فيلادلفيا إنكوايرر