تعرفون بالتحديد عمن نتحدث.. فمشهدكم لا يخلو من شخص من تلك النوعية -رجلاً كان أم امرأة- يعيش دور الضحية بكل تفاصيله. ولديه دوما جلاد يشكو من أفعاله..
أمٌ تخبركم دوما كم أن أولادها «أشقياء».. وكم تتعبها ابنتها العنيدة.. وكيف يهرب منها ابنها ولا يطيق أن يسمع منها كلمة. ولا تخبركم كم هي أم لحوحة لجوجة. وكيف تعامل أبناءها الذين شبوا عن الطوق وكأنهم مازالوا صغارا. فتتدخل في كل تفاصيلهم بما فيها تلك التي لا تعي أبعادها. وكيف تنتقي لحظات سقوطهم أو تعثرهم لتزيدهم ألما بتذكيرهم بنصائحها التي تجاهلوها عوضا عن أن «تطبطب» عليهم وتخفف عنهم وجعهم في وقت لم يعد اللوم فيه يجدي أو ينفع..
ترون تلك النوعية في موظف يشكو من لؤم مديره في العمل. وتآمر زملائه عليه، وعدم تقديرهم لظروفه وتكذيبهم لأعذاره وتجاهل طلباته ورغباته. ولكنه لا يخبركم بأنه موظف غير كفؤ ويعامل الوظيفة كأنها شرٌ لابد منه. والموظف «الدرامي» الذي لا يُخلص ولا يُتقن ولا يُعطي عمله حقه وعادةً ما يلوم بيئة عمله ومرؤوسيه بل وحتى الطاولة التي يجلس عليها على وضعه عوضا عن أن يلوم نفسه.
ترى تلك النوعية تشتكي من مرارة الزواج وضيق قفص الزوجيــــــة وتحسد كل من لازال عازبــــــا على جنـــاحيه المحلقين في الهواء. ولا يعترف المرء منهم بأنه مقصر في حق شريك حياته «رجلا كان أم امرأة» لذا يُجلد بالانتقادات دوما. ولا يعترف بأنه جاف عاطفيا أو لحوح أو نكدي. فهو ضحية وكل ما يبدر منه من أخطاء هي ،في أسوء الأحوال، أخطاء غير مقصودة لا يجب أن يُحاسب عليها بقسوة!
وحتى عندما تكون خطايا هذا «الضحية» بائنة.. كالخيانة أو أكل حقوق مادية للغير. فأنه يجد دوما مبررا لها. فهو يخون زوجته لأنها تهتم بأولادها أكثر منه! أو لا تهتم بمظهرها كما يجب! وعندما يختلس أو يسرق أو يغش فهو ضحية أيضا: فوضعه المادي أجبره، أو أنه رأى الكل يمشون في هذا الطريق!
هذه الشخصية اللئيمة تقنعك ببراءتها دوما. وقد تتعاطف معهـــــــا من صميم قلبك لأنها تعرف كيف تستميله. ولكنك ستكتشف أن وراء قناع الحمــــــل هذا صياد. وأن الجلاد هو أقدر الناس على تقمص دور الضحية.
استيقظ وأنت تتعامل مع هؤلاء.. وأن تكررت شكاويهم من كل شيء اضرب جرس إنذار.. وانظر للوجه الآخر وستجده في ثنايا كل قصة، حتى دون أن ترجع للطرف الثاني، فما أن تتخطى حاجز الدموع المزيفة سترى المرج.. والشمس التي لا تُغطى بمنخال.