المأساة اليمنية.. والضمير العالمي!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٧/سبتمبر/٢٠١٨ ٠٣:١٤ ص
المأساة اليمنية.. والضمير العالمي!

علي ناجي الرعوي

قبل يومين وفي الجلسة الافتتاحية لدورة الـ73 للجمعية العامة للأمم المتحدة بلع انطونيو جوتيريس كل ما سبق وأن قرأناها حول الأزمة والحرب القائمة في اليمن للمحللين البريطانيين في تشاتهام هاوس والالمان في مجموعة الأزمات الدولية والأمريكان في مراكز رسم السياسات فقد اعترف أمين عام المنظمة الدولية بكل صراحة ودون أية مكابرة بأن الأمم المتحدة فشلت في إنهاء المأساة اليمنية وإيجاد حل يعيد السلام والاستقرار إلى ربوع هذا البلد الذي أنهكته الحرب بأبعادها الكارثية والمرعبة وحجم الدمار المادي والاقتصادي الذي تجاوز حدود الأرقام حتى بات يشكل خطراً على النسيج الاجتماعي والمؤسساتي للدولة.

هذا الاعتراف من المسؤول الأول في المنظمة الدولية المعنية بالحفاظ على الأمن والسلام في العالم يأتي بعد أيام من إقرار وكيل أمين عام الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك أمام مجلس الأمن الأسبوع الفائت بأن كل الجهود المبذولة من قبل هذه المنظمة قد أخفقت في التخفيف من معاناة اليمنيين التي تتفاقم يوماً بعد يوم لتتحول في الأيام الأخيرة إلى وضع مأساوي بفعل تدهور قيمة العملة الوطنية وارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشتقات النفطية وعدم صرف مرتبات الموظفين في أغلب المحافظات اليمنية الأمر الذي أصبح معه 75 % من السكان بحاجة للمساعدات الإنسانية و 8,4 مليون عرضة للمجاعة وهو ما يجعل من الفاجعة في هذا البلد أقوى من أي وصف وأبعد مما قد يتخيله أي إنسان.

مثل هذه الاعترافات وأن كانت تعكس قصة شح الضمير الإنساني العالمي بعد أن تناقلت بعض وسائل الإعلام الدولية حكايات تلك الأسر اليمنية التي فقدت الأمل في الحصول على رغيف الخبز وأصبحت تقتات من أوراق الأشجار للبقاء على قيد الحياة إلى درجة أن أحداً لا يستطيع أن يطيل النظر في تلك الصور التي التقطها مصور الاسيوشيتد برس الأمريكية لمجموعة من الأطفال الجوعى في بعض قرى محافظتي حجة والحديدة والذين ظهروا وقد التصقت عظامهم بجلودهم وانتفخت أعينهم واصبحوا مجرد هياكل عظمية تنتظر دورها في الرحيل ضمن قافلة الموت اليومية مع ذلك فإن تلك الاعترافات الأممية قد دفعت بالكثير إلى التساؤل عن الفائدة من وجود الأمم المتحدة في اليمن طالما وهي عاجزة عن إيقاف الحرب وإحلال السلام وإنقاذ الأرواح ؟ بيد أن هناك بالمقابل من يعتقد بأن الدول الكبرى هي المسؤولة عن الوضع المأساوي في اليمن وليس المنظمة الدولية على اعتبار أن الأمم المتحدة لم تعد سوى أداة بيد الفاعلين الكبار الذين يملكون وسائل الضغط والردع واتخاذ القرارات وإشعال الحروب وإطفائها.
لذلك لا يمكن فهم الصمت الدولي إزاء شلالات الدماء المسفوكة ودوامة العنف المتصاعدة في اليمن منذ ثلاث سنوات ونصف وكذا تداعيات الحصار المحكم والتي تعبر عن ملامحها في تفشي المجاعة في عدة مناطق من البلاد إلا في سياق فهم الموقف الدولي من الصراع الذي يعتمل على الأرض اليمنية بشكل عام خصوصاً وأن كل المؤشرات تدل على أن الأول ليس أكثر من نقطة صغيرة في إطار الصورة الكبيرة فالرؤية الدولية أو لنقل رؤية القوى المؤثرة عالمياً للصراع في اليمن تسير منذ سنوات في اتجاه إدامة هذا الصراع وعدم السماح لطرف بالتغلب على الآخر خصوصاً وأن ما يجري في اليمن يرتبط بشكل أو بآخر بملفات وأطراف إقليمية حريصة على إطالة الصراع وإنهاك الداخل ليتسنى لها بعد ذلك السيطرة على الملعب واثبات قدرتها على فرض أجندتها وأهدافها بصرف النظر عن تبعات على الشعب اليمني بكل فئاته المطحونة.

قد يكون من الغريب والمريب أيضا أن نرى دول العالم قاطبة تلتزم الصمت حيال المأساة اليمنية التي وصلت إلى حدودها القصوى حيث لم تفلح ملحمة الدم والنار التي انتجت باعتراف الأمم المتحدة أسوأ أزمة إنسانية في دفع الفاعلين الإقليميين والدوليين إلى إيقاف نزيف الدم والدمار الحاصل على الأرض اليمنية وهو ما يكشف فعلا على أن الدول أصبحت في هذا العصر تبني مواقفها من منظور نفعي مرتبط بتحقيق المصالح القطرية ولم تعد تأبه كثيراً للجانب الأخلاقي والإنساني ولا نبالغ إذا ما قلنا أن مواقف معظم الدول من تطورات الصراع في اليمن قد توزعت بين من يريد توظيف الماسي لابتزاز الأطراف الإقليمية المنخرطة في الصراع وبين من يريد إقناع الأطراف المحلية بالقبول بتصوراته وهيمنته ونفوذه.

إن إدامة الصراع واستمرار المعاناة في اليمن قد تكون حالة متكررة في سوريا وليبيا وبلدان اخرى تعاني من الحروب والنزاعات المسلحة إلا أن ما تتميز به الحالة اليمنية يتمثل في الدور السلبي والانتهازي الذي تضطلع به بعض المنظمات الدولية والتي تسعى جاهدة لاستدرار الأموال من المانحين من أجل تقديم المساعدات للمحتاجين فيما الحقيقة المؤلمة والصادمة ان تلك المنظمات توزع النسبة المعتبرة من الأموال التي تحصل عليها للعاملين فيها والبقية الباقية هي من تصل لأولئك المحتاجين الذين يتم استخدامهم كيافطة دعائية لانتزاع التبرعات المالية ونتيجة لهذا الخلل القاتل فقد تفاقمت الأزمة الإنسانية في اليمن بدلا من تراجعها على الرغم من الأموال الكبيرة التي حصلت عليها تلك المنظمات والتي ذهبت في معظمها الى غير مستحقيها.
ولئن فهمنا سياقات وأسباب الصمت الدولي عن المأساة الإنسانية التي يكابدها الشعب اليمني.. فما هو تفسير الصمت العربي شبه المطبق على ما حصل ويحصل في هذا البلد الذي يقال عنه إنه وطن العرب الأول؟؟