القلق من التغيير

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٦/سبتمبر/٢٠١٨ ٠٤:١٠ ص
القلق من التغيير

فريد أحمد حسن

عند العمل على الإصلاح والتغيير في أي مؤسسة؛ في القطاع العام أو القطاع الخاص، يقف الموظفون الذين يعتقدون أن هذا العمل يمكن أن يحرمهم من الامتيازات التي يحصلون عليها حالياً أو من بعضها ضده، فالتغيير في هذه الحالة ليس في صالحهم ولهذا فإنهم يتخذون منه موقفاً مسبقاً ويعملون على عرقلته بشتى الطرق حتى وهم متأكدون من منفعته للوطن. وهم من أجل الحفاظ على مصالحهم يمكن أن يقلبوا الحقائق ويقدموا التقارير المغلوطة ويخوفوا من التغيير الذي تفكر المؤسسة في إحداثه. الموظفون المترفون والذين يستفيدون من الوضع الحالي للمؤسسة التي يعملون بها يرتابون في أي تغيير أو إصلاح لذا يقفون ضده، يكفي أن الحديث فيه يتسبب في إرباك تفكيرهم، وقد يربك التغيير والإصلاح حياتهم بل قد يخسرون بسببه مناصبهم التي يتمتعون بها وبما توفره لهم من امتيازات.

لهذا يمكن القول إن أحد أسباب بقاء الحال على ما هو عليه في الكثير من المؤسسات في البلاد العربية هو خشية المنتفعين من خسارة امتيازاتهم حيث يقفون ضد كل فكرة يمكن أن تؤدي إلى تغيير، فهؤلاء لا ينظرون إلى مصلحة المؤسسة وإنما إلى مصلحتهم. لو أن التغيير يتطلب تقليل أعداد العاملين في المؤسسة فهذا يعني أن حجم العمل الذي سيكون مطلوبا منهم في هذه الحالة سيكون أكبر من الحجم المعتاد، ولو أن التغيير كان في نظام المؤسسة فإن هذا يعني أنهم قد يخسرون بعض امتيازاتهم. هنا مثال لتقريب الفكرة. لنفرض أن مدير مؤسسة ما لا يمتلك ناصية اللغة الإنجليزية، والتغيير والإصلاح المقترح سيجعله مرغماً على التعامل بهذه اللغة التي يعاني من ضعف فيها، لهذا فإن الطبيعي هو أن يقف ضد كل الأفكار التي تصب في هذا الاتجاه ويرفض التغيير والإصلاح لأنه ببساطة سيكون المتضرر منها وقد يتطلب الأمر الإتيان بمدير متمكن من هذه اللغة فيخسر بالتالي وظيفته أو يتم نقله إلى وظيفة أقل لا يتطلب العمل من خلالها امتلاك ناصية اللغة الإنجليزية. بمعنى أن هذا المدير لو كان متمكنا من هذه اللغة لما وقف ضد التغيير المنشود، فهو لن يتضرر من ذلك. والأمثلة في هذا الخصوص كثيرة ويسهل تبينها، ونتاجها أن كل تغيير قد يؤدي إلى تضرر مصلحة المتمتع بالامتيازات في الوضع الحالي للمؤسسة يرفض منه، فتبقى المؤسسة على حالها ولا ينالها أي تطوير، وبالتالي لا يمكنها أن تسهم في تطوير البلاد.

هذه إشكالية مهمة يدركها كل المعنيين بعمليات التطوير والإصلاح في أي مؤسسة وفي أي مكان، فالتغيير يعني الإتيان بشيء جديد غريب، هذا الشيء قد يتسبب في إحداث أضرار لبعض من بيده القرار في المؤسسة فيرفضه كي لا يخسر ما بيده، وبالتأكيد فإنه لا يكتفي برفضه وإنما بالعمل على إفشاله بالمبالغة في بيان عيوبه المحتملة والتي لا تكون في الغالب إلا في خياله.
هاجس الخشية والخوف من خسارة ما في اليد هو الذي يجعل ممتلئي الأيدي ودافئي الجيوب يقفون في وجه كل فكرة يرمون بها إلى التطوير، حيث التطوير يعني إحداث تغيير وإصلاح، وحيث التغيير والإصلاح قد يعني خسارة بعض أو كل الامتيازات أو ربما خسارة المنصب. من هنا فإن كل تغيير أو إصلاح ينبغي أن يأتي من أعلى ويفرض فرضا وإلا ما تحقق. هنا يأتي دور الجهات الرسمية المعنية بالتطوير والارتقاء بالبلاد والتي – من وجهة نظري – لا يمكن إحداث أي تغيير أو إصلاح إلا من خلالها، لهذا فإن العملي هو أن تصب كل المقترحات الهادفة إلى إحداث تغيير وإصلاح في أي مؤسسة حكومية في هذه الجهات التي عليها أن توجد آلية واضحة وسهلة تشجع كل المواطنين على التقدم بمقترحاتهم وأفكارهم وتقوم بدراستها وتطبيق الممكن تطبيقه منها، والحال نفسه فيما يخص مؤسسات القطاع الخاص.
إن ترك هذا الأمر للمسؤولين في المؤسسات يعني أن الأمور قد تبقى على حالها لوقت طويل، فندرة أو قلة من المسؤولين الذين يتبنون أو يساندون الأفكار المفضية إلى التغيير والإصلاح، حيث الغالبية يتعاملون مع كل توجه في هذا الخصوص على أنه عدو جاء ليأخذ من حصتهم وامتيازاتهم أو يأخذ وظيفتهم ومنصبهم وما يدر عليهم من منافع، فيرفضونه بل يرفضون حتى مناقشته، ويسدون كل «باب يمكن أن يأتي منه الريح.. ليستريحوا».
منظومة مجلس التعاون تحتاج إلى عدة صناديق يضع فيها المواطنون ما يشاغبهم من أفكار ومقترحات يعتقدون أنها يمكن أن تؤدي إلى إحداث تغيير موجب وإصلاح وتطوير ؛ صندوق في كل دولة للشأن المحلي لتطوير مختلف المؤسسات، وصندوق يتوزع في الدول الست خاص بالشأن الخليجي لتطوير وإصلاح هذه المؤسسة التي تضررت كثيرا خصوصا بعد الخلاف الخليجي الخليجي الذي طال وأدى إلى توقف أغلب بل كل أنشطتها ولم يعد مواطنو دول مجلس التعاون يسمعون عن أي جديد يصدر عنها. إن عملا كهذا من شأنه أن يحمي كل المؤسسات، المحلية والخليجية، من عبث المسيطرين على الوظائف فيها والمستفيدين من الامتيازات التي توفرها، ويفتح الباب على مصراعيه للتغيير والإصلاح المفضي إلى التطوير الذي لا غنى عنه في هذا الزمان الذي يمتاز بإيقاعه السريع والتغير الذي يطال كل الحياة ويأخذ كل من لا يستطيع استيعابه إلى التخلف.

كاتب بحريني