إصــلاح الصـيـن

مقالات رأي و تحليلات السبت ١٩/مارس/٢٠١٦ ٢٣:٥٥ م
إصــلاح الصـيـن

كه يو جين
في الأشهر الأخيرة، أصبح التشاؤم بشأن الصين متفشيا، في ظل المخاوف من «انهيار الصين» والتي ترسل موجات الصدمة عبر أسواق الأوراق المالية في مختلف أنحاء العالم منذ بداية العام. ويبدو أن الجميع تقريباً يبيعون الأسهم الصينية في انتظار هبوط أسعارها.

من المؤكد أن أسباب القلق وفيرة. فقد تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل حاد؛ وارتفعت نسب ديون الشركات إلى مستويات غير مسبوقة؛ والعملة في انحدار؛ وأصبحت أسواق الأسهم شديدة التقلب؛ ويتدفق رأس المال إلى خارج البلاد بوتيرة مثيرة للانزعاج. والسؤال هو لماذا يحدث كل هذا، وما إذا كانت السلطات في الصين قادرة على إصلاح الأمر، قبل أن يفوت الأوان.

يتلخص الرأي الشعبي ــ والرسمي ــ في أن الصين تمر بمرحلة تحول إلى «المعتاد الجديد» الذي يتسم بنمو أبطأ للناتج المحلي الإجمالي، ويستند إلى الاستهلاك المحلي وليس الصادرات. وكما جرت العادة، ظهرت حفنة من الدراسات الاقتصادية التي تبرر هذا المفهوم. بيد أن هذا التفسير، برغم كونه مريحا، لا يقدم سوى راحة زائفة. فمشكلة الصين ليست أنها «تمر بمرحلة انتقالية». بل إن قطاع الدولة يخنق القطاع الخاص، حيث تعمل الأراضي الرخيصة، ورأس المال الرخيص، والمعاملة التفضيلية للشركات المملوكة للدولة، على إضعاف القدرة التنافسية للشركات الخاصة، التي تواجه تكاليف اقتراض مرتفعة وتضطر غالباً إلى الاعتماد على الأسرة والأصدقاء طلباً للتمويل. ونتيجة لهذا، تحولت العديد من الشركات الخاصة بعيداً عن أعمالها الأساسية واتجهت إلى المضاربة في أسواق الأسهم والعقارات.
وتمر الأسر الصينية بضائقة أيضا. ففي غضون فترة لا تتجاوز خمسة عشر عاما، انخفض دخل الأسر من 70% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 60%. وما لم تتمكن الأسر الصينية من جني نصيبها العادل من ثمار النمو الاقتصادي، فمن الصعب أن نتصور كيف قد تحدث طفرة الاستهلاك. من الواضح أن الصين لابد أن تتخذ خطوات جريئة لإطلاق العنان لدينامية القطاع الخاص وزيادة الطلب من جانب الأسر.
لقد أثبتت الصين قدرتها على تنفيذ إصلاحات جذرية كفيلة بالقضاء على تشوهات كبيرة، وبالتالي تعزيز النمو وامتصاص الديون الزائدة. ولكن لم يأت الانهيار قط. فقد أطلقت الحكومة الصينية مجموعة من الإصلاحات الجذرية، بما في ذلك خصخصة الصناعة على نطاق واسع وإلغاء الضوابط على الأسعار وتدابير الحماية والقيود التنظيمية. ومع هبوط حصة الدولة في تشغيل العمالة في القطاع غير الزراعي ــ من 30% في منتصف التسعينيات إلى 13% في العام 2007 ــ ارتفعت إنتاجية القطاع الخاص بمتوسط معدل سنوي بلغ 3.7% من العام 1998 إلى العام 2007. وحتى إنتاجية قطاع الدولة سجلت نمواً أسرع، بمعدل 5.5% سنويا. وقد ساهم نمو الإنتاجية بنحو ثلث مجموع نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين ــ والذي تسارع إلى معدلات تجاوزت 10% ــ خلال هذه الفترة. وكان انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية العام 2001 ــ وهي خطوة جريئة أخرى ــ عاملاً رئيسياً آخر في تحقيق هذا النجاح. ولكن برغم هذا، تزداد المهمة التي تواجه حكومة الصين هذه المرة تعقيداً بفِعل قيود سياسية واجتماعية. فالإصلاحات الاقتصادية التي تحتاج إليها الصين الآن تستلزم الإصلاح السياسي أولا؛ ولكن تنفيذ هذه الإصلاحات تعوقه مخاوف التداعيات الاجتماعية. وإذا كان للصين أن تتجنب الانحدار الاقتصادي، فسوف يكون لزاماً عليها أن تصلح نظام الحكم ــ والفلسفة التي يقوم عليها ــ من دون إحداث قدر مفرط من عدم الاستقرار الاجتماعي. والخبر السار هنا هو أن الصين تتمتع بسجل أداء واعد على هذه الجبهة. ففي نهاية المطاف، كان التحول الإيديولوجي الجوهري هو الذي عمل على تمكين الازدهار الاقتصادي الذي دام خمسة وثلاثين عاماً في الصين. وقد رَكَّز ذلك التحول على النمو الاقتصادي قبل أي شيء آخر، مع حماية الكيانات الأكثر دعماً للنمو، والترويج لها، والتسامح مع زلاتها إذا لزم الأمر.

أستاذ الاقتصاد في كلية لندن للاقتصاد،

وحاصل على لقب القائد العالمي الشاب من المنتدى الاقتصادي العالمي