علي المطاعني
تعدد مصادر التمويل للمشروعات الذاتية الخاصة التي تدار من الكوادر الوطنية، خطوة مهمة في تشجيع المشاريع الصغيرة و المتوسطة في البلاد كأحد السبل لتشجيع أبنائنا على امتهان المهن الحرة و تعزيز ثقافة ريادة الأعمال في البلاد من جانب الشباب، وما يثلج الصدر وجود الكثير من مؤسسات التمويل التي ترفد هذه المشروعات، التي تثري القطاع الخاص، وتوفر الاكتفاء الذاتي من المنتجات وتحد من الاستيراد، كما أنها تحمل في خصائصها البنيوية دور كبير في النهوض بالخدمات بالعديد من المجالات، فضلا عن دورها الكبير في استيعاب الكوادر الوطنية في ميادين العمل المختلفة، حيث تتميز بكونها أكثر قدرة على استيعاب القوى العاملة الوطنية من المؤسسات الكبرى.
فمن الجيد أن نرى العديد من المؤسسات التمويلية تفتح أبوابها للجميع، خصوصا الشباب الجادين الراغبين في تأسيس مشروعاتهم الخاصة وطرق أبواب العمل الحر والبعد عن الوظيفة النمطية. فبجانب صندوق الرفد الذي أسسه حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ـ تأتي عدد من الجهات التمويلية الأخرى التي تختلف الفئات التي تستهدفها، والشروط التي تضعها للحصول على التمويل اللازم عن الرفد، لكنها تتكامل معه في دعم وتمويل قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مثل بنك التنمية العماني، و صندوق تنمية مشروعات الشباب، و صندوق تنمية المؤسسات الصغيرة و المتوسطة و البنوك الوطنية التي خصصت 5 بالمائة من حجم الائتمان المصرفي لتمويل مشاريع المؤسسات الصغيرة و المتوسطة، و غيرها من الجهات التمويلية التي تهدف إلى تعزيز ثقافة ريادة الأعمال في البلاد، وتفتح أبوابها لتمويل أي مشروع تتوافر فيه مقومات النجاح ولديه دراسات جدوى اقتصادية قائمة على أساس علمي واقتصادي سليم.
لكن يظل صندوق الرفد هو صاحب الريادة في هذا المجال كونه يتحمل وحده عبء المجازفة في تمويل المشاريع دون النظر إلى ضمانات، وبشروط ميسرة، تتيح للشباب خصوصا الباحثين عن عمل بفتح مشروعاتهم، التي تعتمد على فكرة جيدة، ويكفي أن يرى القائمون على الصندوق الجدية في الشباب لإعطائهم قرضا، فهو كما يقولون يقوم وبحدة بإطلاق المشاريع من البداية، دون النظر لأصول المشروع، بل يتعدى دوره التمويل عبر شبكة واسعة من المتابعة والمساندة، تقوم بمساعدة الشباب على الترويج لمنتجاتهم، بالاضافة إلى السعي الحثيث لتوفير عقود لهم، مع القطاعين العام والخاص، ولعل هذا العامل الأبرز في تدني نسبة التعثر، حيث فاقت نسبة الالتزام بالسداد الـ91 في المئة، رغم حداثة المشاريع التي مولها الصندوق، التي لا يتجاوز عمر أقدمها العامين، وهي نسب اقتصاديا من نسب الالتزام المرتفعة في مثل هذه القطاعات، وهو ما يعكس حجم الجهد المبذول في مساعدة الشباب على تطوير مشاريعهم.
ويعد تمويل الرفد لـ 1681 مشروعا منذ إنشائه إلى فبراير الفائت في جميع محافظات السلطنة بقيمة إجمالية بلغت 67 مليون ريال، بادرة طيبة في ضخ كل هذه المبالغ في شرايين المشاريع الصغيرة، التي بعون الله ستكبر لتقود الاقتصاد الوطني نحو آفاق رحبة، خصوصا وأن معظم المشاريع تتميز بالقيمة المضافة والابتكارية، وتتسم بالتوزيع الجغرافي الواسع على كافة محافظات السلطنة، ومن شأنها أن تحقق العديد من الأهداف التي يسعى لها الصندوق، ونسعى لها جميعا في هذا القطاع الذي يوجد الفارق دائما في الدول التي تسعى إلى تنميته مثل المانيا واليابان وماليزيا، وحتى امريكا، فهو القائد الحقيقي للاقتصاد العالمي، في العقود الأخيرة.
وأرى أن أبرز ما يتميز به الصندوق هو قدرته على مواكبة الخطط التنموية الحكومية، واهتمامه بالنظر للاقتصاد الوطني بشكل مترابط، جعلت الصندوق يسهم في تحقيق التطوير المنشود في القطاعات التي تسعى الحكومة الموقرة إلى تنميتها كالصناعة والسياحة والتجارة والتعدين .. وغيرها من القطاعات التي تصنع الفارق الاقتصادي، ويعد تطويرها وتنميتها المستدامة، خطوة جادة نحو التنويع الاقتصادي، ومن حسن الطالع أن تتوزع تمويل الصندوق خارج مسقط العاصمة مواكبا توجهات الحكومة في مراعاة التوزيع الجغرافي للتنمية و تعزيز الاقتصاد الوطني، فمثلا قطاع الصناعة نرى ان محافظات شمال الباطنة ، والداخلية، وظفار، وجنوب الباطنة، وشمال الشرقية، .. الخ، تفوق محافظة مسقط من حيث عدد المشاريع الممولة، كذلك في قطاع المشاريع الحرفية، مما يؤكد رغبة الصندوق في ترجمة الرؤية السامية، بنقل التنمية وتنشرها في كافة محافظات السلطنة.
ولكن يبقى في النفس بعض القلق، عن غياب مساندة حقيقية من الجهات الأخرى، التي تضع شروطا تجعل من قيام مشروع صغيرة حلم بعيد المنال، لذا أدعو حكومتنا إلى زيادة الدعم المقدم للصندوق الذي احسن التصرف فيما أوكل اليه، أو رفد المجتمع بجهات تمويلية أخرى تشارك الصندوق في مهمته تمويل انطلاقة المشاريع المستهدف منها الشباب، بشروط تتشابه بشروط الرفد، لتواكب التعطش الذي ظهر للشباب العماني في طرق أبواب العمل الحر، خصوصا بعد تجربة الرفد التي أثبتت أن بعمان شباب يشمرون عن سواعدهم، ليبنوا مشاريعهم الخاصة.