خديعة القطارات

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٥/سبتمبر/٢٠١٨ ٠٥:٥٨ ص
خديعة القطارات

د. لميس ضيف

عندما رأيت صورة alla iiyinicchna شعرت بالأمل وهو يسري في عروقي.. إنها جرّاحة روسية عليكم أن تبحثوا عن صورتها في دكان صديقنا جوجل.. لتروا كيف أبهرت هذه الطبيبة البالغة من العمر 90 عاما العالم. إنها أكبر طبيبة تمارس عملها دون تقاعد لليوم.. وما زال مستشفى «ريازان» في ضواحي موسكو متمسكا بها؛ فهي تقوم يوميا بأربع عمليات جراحية بنسبة نجاح تصل لـ100%.. وهي نفسها ترفض التقاعد إيمانا منها بأن لديها الكثير لتقدمه للإنسانية.

تسعون عاما وما زالت في أوج العطاء.. تعد نفسها بسنوات جميلة قادمة.. وتشبه «آلي» في نشاطها 20% من سكان اليابان اليوم؛ إذ أعلنت وكالة الأنباء اليابانية «كيودو» أن نسبة الأشخاص الذين أتموا الـ70 عاما وصلت لأول مرة لـ26 مليون نسمة وهو ما يعادل خمس السكان. وقطع كبير من هذه الشريحة ما زال يعمل ويعطي وينتج.. ولا يشعر هؤلاء بالاكتئاب الملازم للشيخوخة لأنهم ببساطة لا يعرفون منها إلا تجاعيدها. فلماذا يتحوّل المسنون لدينا لخزائن للأمراض النفسية والجسدية فيما يبقى المسنون لديهم شبابا؟
إن وضعنا جانبا نمط حياتنا غير الصحي. فالعلم والمنطق يؤكدان اليوم أن النفس السليمة هي العمود الفقري للجسد السليم. إحدى أهم مشاكلنا متعلقة بنمطية نظرتنا للأرقام التي تُكتب في شهادات الميلاد. فنحن نرى المرأة شابة في العشرين.. ومشروع عجوز في الثلاثين. وما إن تصل للأربعين فالدلال لا يليق بها وإن ما تصرفت كالشابات فهي متصابية!
لا تقبل الأعمال الموظفين في متوسط العمر. وتسعى لدفعهم للتقاعد ما إن يصلوا لأعتاب الستين. رغم أن بعضهم يتوهج في هذا العمر ويظهر قدرات استثنائية لم تبرز في شبابه. وعندما يفكر أحدهم في اقتحام عالم التجارة في هذه المرحلة لا يجد إلا التحذير والتنفير. ولا يُنظر لهذه الفئة أنها جديرة بالحب. وينتظر الناس منهم أن يجلسوا أمام التلفاز لمشاهدة الأفلام القديمة، ويصلّوا في المساجد وينتظروا الموت..
يُقال في الغرب إن الأربعين في هذا العصر هي الثلاثين في عصور سبقته. والخمسيني كالأربعيني بالأمس وهلم جرى. كل شيء يؤهلنا اليوم لحياة مديدة سعيدة. لكن قيم مجتمعنا تجمّدنا في مكاننا، تقول لنا إن القطار قد فات ما إن وصلت للخمسين أو الأربعين: قطار الزواج، وقطار الطموحات، وقطار البدء في مهنة جديدة. وهي أغبى صورة ذهنية بيعت لنا: فالحق أن القطارات لا تتوقف، وكل قطار يتبعه آخر بعد دقائق.. وتغيير السكة دائما ممكن بوجود الرغبة لذلك.
اتخذوا من هؤلاء الأقوياء، أصحاء العقل قبل النفس قدوة.. وصدقوا أن أمامكم عمرا مديدا من العطاء ولن تكونوا كاذبين.

lameesdhaif@gmail.com