لعنات الظلام لا توقد شمعة؟

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٦/سبتمبر/٢٠١٨ ٠٣:٢٤ ص
لعنات الظلام لا توقد شمعة؟

علي بن راشد المطاعني

دائما ما أتذكر الآية الكريمة: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} التي تُليت في افتتاح الدور الانعقادي لمجلس عُمان تحت الرعاية السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله- فكان الهدف واضح بجلاء من اختيار هذه الآية بدقة متناهية، فهي لا تعدوا إلا أن تكون تشخيصاً مثالياً لحالات مشابهة الآن لما يدور من هدم للمكاسب التي تحققت في هذا الوطن ونسف كل المنجزات وكأنها لم تكن للأسف واستمرار اللعن في الظلام بدلا من إشعال الشموع كما يقال، وعلى الأفواه شظى للتذمر لا تخطئه العين، وفي ذات الوقت فإن البطون شبعى، وكأنها تجحد النعمة التي أوصلتها إلى ماهي عليه، فالآية الكريمة واضحة فقد نهت عن إفساد الأرض بعد إصلاحها وإعمارها والقرآن الكريم صالح لكل زمان ومكان كما نعرف.

بلاشك أن الحالة السلبية متفشية بشكل كبير للأسف في الأوساط المحلية وقد بلغت مداها، هنا يصدق قول الإمام الشافعي:

وعينُ الرِّضا عن كلَّ عيبٍ كليلة ٌ
وَلَكِنَّ عَينَ السُّخْطِ تُبْدي المَسَاوِيَا.
فهذه السوداوية السائدة في أذهان الكثيرين تنعكس على المناخ العام والاقتصادي في البلاد وقد يكون هذا السائد جزءا من المشكلة، إن لم يكن هو المشكلة كلها على اعتبار أن هذه السلبية تفرز اتجاهات غير إيجابية على الاستثمار والحراك التجاري، لأن القرار الاستثماري في الأساس نفسي (سيكولوجي) قبل أن يكون إداريا واقتصاديا، فانعكاساته تمتد للجميع بدون أن ندرك ما نجنيه على أنفسنا وبذلك نكون قد أفسدنا الجهود المبذولة عبر التشويش عليها من خلال ما يثار بكل مغالطاته، فهل يا ترى في ظل هذه السوداوية يمكن للمستثمر أن يضع رؤوس أمواله وهو في دياجير تلك الظلمة. فعلى الرغم من أن الحالة الاقتصادية تحسنت في الفترة الفائتة بشكل كبير وبدأت الأمور تنفرج عن ما كانت عليه والعجز في الميزانية العامة للدولة انخفض بشكل ملحوظ وجيد، وأسعار النفط بدأت ترتفع لتلامس سقف الـ80 دولارا وغيرها من علامات التفاؤل التي نستبشر بها، ونعمل على الاستفادة منها والتغلب على ما يواجهنا من مشكلات وتحديات بالمزيد من الإرادة والعزيمة على تجاوز الواقع وما يشوبه، وهو وفي مطلق الأحوال ليس سيئا كما يصوره البعض للآسف.
ولكن هل نلتفت لكل ما يقال وهو كثير حول ما تحقق ويتوفر بشقيه الإيجابي والسلبي، أم نستعين بقول الله تعالى {فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ}.
وقوله تعالى {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} لنعلم بعدها أن قمة الرضا في المداومة علي تسبيح الله (سبحان الله).
فالبعض اليوم يستغل مساحة الحرية في العالم الافتراضي ويكيل الاتهامات ويسوقها ليلتقطها البسطاء من الناس ويعتبرونها حقيقة مسلم بها.
إن الإنسان العُماني العظيم صاحب أعظم حضارة بشرية، كان أبدا مضرب المثل في الإنجاز الذي لا يؤمن بالمستحيل، ولم يكن في يوم من الأيام ثرثارا يركن إلى القيل والقال وسفاسف الأمور عبر سطحية التفكير والاستنباط، فنبذ السلبية وانشغال بالعمل والتطوير دون سواه، وترك التنظير والنقد والتشاؤم، لتبقى الحقيقة المثلى قائمة وتنص على إننا يجب أن نكون عونا للوطن في الملمات.
بالطبع النقد مطلوب والتصحيح ضروري في أي وقت لكن ليس بهذه السلبية التي تلغي كل ما تحقق وتبخس كل ما أنجز كأنه لم يكن للآسف.
نأمل أن لا نخرب بيوتنا بأيدينا بهذه السوداوية وننعت الوطن الغالي بالمساوئ المفترضة وهما وظنا، والنظر للمستقبل بعين ملؤها التفاؤل مقترنا بالعمل والعطاء ونكران الذات والتضحية في مثل هذه الظروف التي تخيم على دول المنطقة والعالم ولسنا بالتأكيد في معزل عن كل ما يدور في محيطنا الخارجي.