احتكار الطعام

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٢/سبتمبر/٢٠١٨ ٠٤:٤٠ ص

نديدي اوكونكو نوينلي

لقد زادت أسعار الطعام في مايو بمعدل 1،2 % وهو أعلى مستوى لها منذ أكتوبر 2017. إن هذا المسار التصاعدي يؤثر بشكل غير متناسب على إفريقيا علما أن حصة الإنفاق على الطعام في الأسر الإفريقية في تصاعد كذلك وحتى نتحقق من وجود أمن غذائي، يتوجب على الحكومات العمل سريعا على عكس تلك الاتجاهات حيث بإمكانها البدء بضبط المنتجين الذين يشعلون حمى الأسعار.

طبقاً للبيانات التي جمعها المنتدى الاقتصادي العالمي فإن أربعة من بين خمسة دول تعد الأكثر إنفاقا على الطعام موجودة في إفريقيا. تأتي نيجيريا على رأس القائمة حيث تصل نسبة ما أنفقته الأسرة هناك على الطعام سنة 2015 إلى 56.4 % من دخلها وتحتل المرتبة الثانية كينيا (46،7 %) ومن ثم الكاميرون (45،6 %) والجزائر (42،5 %) وبالمقارنة، فإن المستهلكين في الولايات المتحدة الأمريكية هم الأقل إنفاقا على الطعام على مستوى العالم (6،4 %) أي أقل بكثير من الناس في الدول الناشئة مثل البرازيل (16 %) والهند (30 %).
إن أحد الأسباب لذلك التناقض هو سعر الطعام مقارنة بالدخل فبينما تتجه إفريقيا نحو التمدن فإن الناس يشترون الأطعمة المصنعة أو شبه المصنعة والتي تكلف أكثر من الأطعمة المنتجة محلياً وفي معظم البلدان فإن الأجور لم تواكب التضخم.
لكن السبب الرئيسي هو السياسات العامة السيئة فلقد أخفقت الحكومات الإفريقية في الحد من سلطة الشركات الزراعية والمنتجين الكبار للأغذية كما أن نقص الرقابة قد جعل الزراعة المحلية أقل تنافسية وبدورها زادت أسعار معظم البضائع.
إن غياب قوانين مكافحة الاحتكار، بالإضافة إلى الحماية الضعيفة للمستهلكين يعني انه في العديد من البلدان هناك من شركتين إلى ثلاث شركات تتحكم بالأسواق بالنسبة لمواد مثل الملح والسكر والطحين والحليب والزيت والشاي. نجد التأثير الأكبر في المدن الإفريقية حيث إن أسعار الأرز الأبيض والدجاج المجمد والخبز والزبدة والبيض وحتى المشروبات الغازية هو أعلى بنسبة 24% على اقل تقدير مقارنة بمدن أخرى حول العالم. إن هذه الأسعار تؤثر على المستهلكين إما بشكل مباشر أو غير مباشر (قيام تكتلات شركات الأغذية الكبيرة ومزودو الخدمات بالتعويض عن تكاليف عناصر الإنتاج المرتفعة من خلال رفع الأسعار).
لقد جادلت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) منذ فترة طويلة بأن الأمن الغذائي والتسعير العادل يعتمد على كون الأسواق خالية من التوجهات الاحتكارية. إن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية توافق على ذلك وقامت بشكل متكرر بدعوة السلطات للتعامل مع «الاندماجات المعادية للمنافسة وسوء استخدام الهيمنة والاتحادات الاحتكارية والتلاعب بالأسعار والقيود العمودية والممارسات الحصرية» في قطاع الغذاء وبالرغم من ذلك فإن هذه النصيحة لم تجد من يستمع إليها في العديد من البلدان الإفريقية.
في واقع الأمر فإن هذه ليست مشكلة جديدة فبين سنة 1997 و 2004 على سبيل المثال قامت الفاو بحصر 122 ادعاء بوجود «ممارسات غير تنافسية « في 23 بلداً في منطقة جنوب الصحراء الإفريقية. لقد كانت الانتهاكات تشمل «الاحتكار العمودي» في قطاع السكر في مالاوي والتلاعب بالأسعار في صناعة الأسمدة الكينية واتحاد مشترين احتكاري في صناعة القطن الزيمبابوية ولكن وعلى الرغم من الاهتمام الكبير الذي حظيت به مثل تلك القضايا فإن المشاكل الكامنة ما تزال موجودة.
طبقاً للبنك الدولي فإن أكثر من 70 % من الدول الإفريقية مصنفة في النصف الأخير عالمياً بالنسبة لجهود حماية «المنافسة القائمة على أساس السوق» وبينما يوجد في 27 بلداً إفريقياً و5 كتل إقليمية قوانين ضد الاحتكار على الورق فإن التطبيق نادر. إن الدول المتبقية ليس لديها أحكام تنظيمية بالمرة ولم تحقق تقدما يذكر في صياغة مثل تلك الأحكام.
هناك استثناء ملاحظ واحد وهو جنوب إفريقيا فمنذ سنة 1998 فإن قانون التنافس في ذلك البلد منع أي شركة تتحكم بما نسبته 45 % من السوق على اقل تقدير من إقصاء الشركات الأخرى أو السعي للتحكم بالتسعير. إن المخالفين يواجهون عقوبات تصل إلى 10 % من إيراداتهم وخلال العقدين الفائتين فإن بعضاً من اكبر الشركات في البلاد بما في ذلك تايجر براندز وبايونير فودز وسيامي داربي –قد تعرضت لعقوبات وكما ذكر تيمبينكوسي بونكيلي رئيس مفوضية المنافسة في جنوب إفريقيا في العام الفائت فإن الحكومة مصممة على القضاء على استغلال المستهلكين من قبل اتحادات احتكارية وخاصة في الصناعة الغذائية.
يجب على البلدان الأخرى أن تحذو حذو جنوب إفريقيا فالشركات ومجموعات المصالح الخاصة ستحاول دائما الاستفادة من غياب الأحكام التنظيمية. إن الحاجة للإصلاحات أكبر في دول مثل نيجيريا وغانا والتي تعد مصروفات الطعام فيها الأعلى وضغط الصناعة الغذائية الأقوى ولحسن الحظ هناك اعتراف متزايد بالحاجة للتعامل مع تلك التحديات.لقد أكد باباتوندي اركيرا مدير عام مجلس حماية المستهلك في نيجيريا مؤخرا انه في «الأسواق النشطة والمخلصة الكبيرة مثل نيجيريا فإن غياب الأحكام التنظيمية العريضة المتعلقة بالتنافسية هو أمر مأسوي فالأسواق التي لا توجد فيها أحكام تنظيمية في السياق التنافسي تضفي شرعية على الاستغلال المالي والاجتماعي».
إن تخفيض أسعار السلع الغذائية الرئيسية وحتى بنسبة متواضعة تبلغ 10 % (اقل بكثير من معدل الأسعار التي تفرضها الاتحادات الاحتكارية حول العالم) من خلال التصدي للسلوك غير التنافسي في تلك القطاعات أو من خلال إصلاح الأحكام التنظيمية والتي تحميهم من التنافسية يمكن أن يؤدي إلى انتشال 270 ألف شخص في كينيا و200 ألف شخص في جنوب إفريقيا و20000 في زامبيا من براثن الفقر. إن مثل تلك السياسة ستوفر على الأسر في تلك البلاد ما يزيد عن 700 مليون دولار أمريكي سنوياً حيث ستكون مكاسب الأسر الفقيرة اكبر من الأسر الغنية.
في نهاية المطاف فإن القادة السياسيين مسؤولون عن حماية المستهلكين من التواطؤ والتلاعب بالأسعار ومما لا شك فيه أن الشركات الإفريقية بحاجة لإعطائها الفرصة للابتكار والنمو ولكن نجاح تلك الشركات لا يجب أن يكون على حساب الوجبة القادمة لشخص آخر.

مؤسس مشارك لشركة ااسي ي لتصنيع وتوزيع الأغذية وشريكة تنفيذية لشركة الساحل للزراعة والتغذية ومؤسسة ليب إفريقيا