تعتبر الأمراض العقلية من العوارض التي قد تطرأ على الإنسان لأسباب وظروف معينة تنشأ معه تدريجيا وتكبر مع الوقت، وهي أمراض كالأمراض العضوية إلا أنها تصيب الناحية العقلية للإنسان.
يعرف المرض العقلي بأنه اختفاء العقل وزواله مما يخل بأداء الشخص سلوكياً وانفعالياً فيوصف بأنه مجنون.
يشكو عدد كبير من الناس من وجود بعض العوارض النفسية التي تتطور مع الوقت لتصبح مرضا نفسيا ثم تتحول إلى مرض عقلي في بعض الأحيان.. ومع كثرة وجود وانتشار المرض العقلي أصبح المرضى العقلانيون ينتشرون بشكل كبير في الشوارع والحارات دون إدراك من ذويهم بمخاطر ما قد يحدث لهم أو يقومون به في الشوارع وخارج الرقابة الأسرية. وـ 7 أيام تتطرق للموضوع في التحقيق الآتي.
تحقيق: ليلى بنت حمد العامرية
يلجأ الكثير من المرضى العقلانين إلى الأطباء والمختصين في الطب العقلي للعلاج إلا أن الكثير من الحالات تخرج عن نطاق السيطرة لتصبح حالة مرضية يصعب التخلص منها، من هنا تبدأ المعاناة الحقيقية لحياة المريض العقلي التي تصحبها أمور عدة تخرج عن نطاق المألوف وغالبا ما تؤدي إلى ظهور مشاكل اجتماعية لا حصر لها تنشأ من جراء ترك المريض العقلي بدون رقابة أسرية ليصبح المحيط الخارجي ملجأا له ويصبح عرضة للأخطار ولإلحاق الخطر بالآخرين أيضا.
أساطير وطقوس سحرية
عرفت الأمراض العقلية قديما إلا أنها لم تصنف على مدى التاريخ حيث لم يكن معلوما في السابق ماهية الأمراض العقلية لذلك ربطت بالكثير من الأساطير والعادات الغريبة المنسوبة إلى الأرواح الشريرة والقوى الأخرى، حيث اعتقدت شعوب ما قبل التاريخ بحدوث الأمراض العقلية نتيجة لدخول بعض الأرواح والقوى الشريرة في البدن وامتلاكه، مما دفع كهنتهم لإقامة بعض الطقوس السحرية وإعطاء المرضى بعض الجرعات الدوائية وإجراء التنويم المغناطيسي لطرد هذه الأرواح، وقد يلجأون لعمل فتحة في جمجمة المريض لتسهيل خروج الأرواح.
كما استخدم الكرسي الدوار خلال القرن الثامن عشر لعلاج المرضى عقليا، وكان الاعتقاد السائد هو أن هذه الطريقة تزيد من سريان الدم إلى الدماغ مما يساعد على إزالة أو تخفيف المرض العقلي.
بدايات المرض
يمر معظم الناس في حياتهم بفترات قصيرة من الحزن والغضب والخوف، ولكنْ يمر بعضهم بفترات طويلة يعانون فيها من اضطرابات شديدة في الأمزجة والأحاسيس والسلوكيات الطبيعية مما يؤدي إلى شعورهم بعدم السعادة، وبعدم الإنجاز في أعمالهم، وبصعوبة التعامل مع الآخرين، وهؤلاء هم المرضى العقلانيون. وقد افادت دراسة أن معظم الأمراض العقلية تبدأ قبل سن ال14 عاما في الولايات المتحدة حيث يعاني أميركي من كل أربعة من مشاكل عقلية. وغالبا ما تظهر ازمات القلق مع انتهاء فترة الطفولة وعدم الاستقرار العاطفي في الحقبة الأخيرة من المراهقة، في حين تبرز مشاكل تعاطي المخدرات وإدمان الكحول خصوصا مع بلوغ سن العشرين.
وفي معظم الحالات كانت الاضطرابات عرضية أو يمكن التخلص منها دون الخضوع لعلاج نفسي، إلا أن الكثير من الأعراض قد تتطور لتصبح أمراضا مزمنة وقد تزداد سوءا مع مرور الوقت بحسب وضع المريض والبيئة المحيطة به.
أسبابه
على الرغم من إشارة الأبحاث العلمية إلى العديد من الأسباب التي تقف خلف الإصابة بالأمراض العقلية إلا أن أسباب هذه الأمراض ما زالت غير مفهومة بصورة كاملة. فمثلا تحدث بعض الأمراض نتيجة لبعض إصابات الدماغ، وبعضها نتيجةً لعدم التوازن الكيميائي في الدماغ، والأخرى تسببها بعض العوامل البيئيّة مثل المرور بطفولة معذبة شقية، أو المعاناة من كرب عاطفي شديد. وقد تحدث بعض هذه الأمراض نتيجة لتضافر أكثر من سبب من هذه الأسباب.
أعراض مصاحبة
تصاحب المرض العقلي الكثير من الأعراض منها: الهذيان والخرف واضطرابات النساوة والفصام واضطرابات ذهانية أخرى والاكتئاب المصاحب لأعراض ذهانية والهوس (الاضطراب ثنائي القطب) والذاتوية (الاضطرابات مشوهة النمو).
علاقتها بالغذاء
أشارت دراسة حديثة إلى أنه من الممكن أن يكون تغير النظام الغذائي في السنوات الخمسين الأخيرة قد أثر بشكل أساسي في ارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض العقلية، فقد أعلنت شركة "فود كامبيينرز ساستيين" ومنظمة الصحة العقلية في بريطانيا أن الأطعمة التي تُصنّع حاليا أثرت في توازن الأغذية التي نتناولها إذ بات سكان بريطانيا يأكلون الطعام الطازج بنسبة أقل بكثير من السابق فيما زاد استهلاك الدهون المشبعة والسكريات.
وبحسب الدراسة، فإن هذا النظام الغذائي الجديد يتسبب في حالات الانهيار العصبي وفي مشاكل في الذاكرة. غير أن خبراء الغذاء قالوا: إن الأبحاث لا تزال غير نهائية فإن نتائجها ليست حاسمة.
وقد أعلن مدير منظمة الصحة العقلية أن معالجة المشاكل العقلية من خلال تعديل النظام الغذائي أثبتت في بعض الحالات فعاليتها أكثر من المسكنات والعقارير.
وتشرح الدراسة التي صدرت بعنوان (تغذية العقول) كيفية تغيّر التوازن الغذائي الطبيعي القائم على المعادن والفيتامينات والدهون الأساسية في السنوات الخمسين الأخيرة.
الآثار الاجتماعية
تترتب الكثير من الآثار الاجتماعية على الأمراض العقلية حيث تعتبر سببا وجيها في حدوث الكثير من المشاكل الاجتماعية مثل المشاكل الأسرية والزوجية حيث تؤثر الأمراض العقلية على حياة الفرد لتصبح حياة أخرى بعيدة عن حياته المعتادة ومنها قصة تذكرها "س" "ع" قائلة: بدأت حياتي المبكرة مع زوجي في سن الخامسة عشر وكان هو في عمر الـ(26) عاما فقد زوجني أهلي وأنا صغيرة السن وأنجبت ثلاثة من الأبناء وكنا نعيش حياة بسيطة فكان زوجي يحاول جاهدا توفير المال فكان يعمل معظم وقته ولم نكن نره سوى دقائق معدودة قبل النوم وكان أبناؤه يشتاقون له كثيرا، مع الوقت بدأت ألمح تغير زوجي فقد أصبح يميل إلى العزلة وبعدها أصبحت أرى بعض التصرفات والسلوكيات الغريبة غير المعتادة منه، حاولت التحدث معه مرارا لكنني لم استطع فهم ما يقول، وللحق فإنني منذ تزوجته ونحن لا نتشاطر الحديث كثيرا فعلاقتنا كانت سطحية، كان يعرف عنه أنه انطوائي وخجول منذ صغره فهو قريب لي وكنت صغيرة السن حينما تزوجته وكنت خجولة مثله لكن مع مرور ثمان سنوات على زواجي بت ألحظ الكثير من الأمور التي أصبحت تتغير في شخصيته وسلوكه فلم يكن يستمع لي مطلقا وكان اطفاله يبكون حوله إلا أنه لم يكن يهتم بذلك، فقد أصبح شخصا آخر، فتحدثت إلى أهلي فحاولوا التفاهم معه لكنه لم يكن يصغ لأحد فكان دائما ينظر إلى جهة واحدة ويهز رأسه إلى الأمام والخلف، فأكد أهلي لي أنه مصاب بسحر وحاول أهلي وأهله الذهاب للكثير من المشايخ للعلاج بالقرآن وإلى الكثير من الدجالين والمشعوذين لكن بدون فائدة، ومع الوقت أخذ وضعه يتدهور ويزداد سوءا يوما بعد يوم حتى أصبح يكسر الأشياء التي يجدها حوله ويضرب اطفاله بعنف وكان يسب ويشتم بدون سبب وكان يقوم بتصرفات غريبة كالنوم بجانب قن الدجاج ويقوم بتقليد أصواتها وحركاتها ويتصرف مثلها حيث كنت أحضر له الطعام فكان يأكله بفمه من الصحن ولم يكن يستخدم يديه، بقينا على هذا الحال أكثر من عام على أمل أن تتحسن حالته لكن الأمر أخذ يتطور يوما بعد يوم حيث أصبح يخرج من المنزل ولا يعود حتى المساء فقد كان يتجول في أرجاء الحي ويحمل التراب في ملابسه وكان يسأل المارة إن كانوا يرغبون في تناول الطعام معه وكان يشير إلى التراب، مما جعل جميع الناس في الحي يقولون إنه مسحور لكن ابن عم زوجي -وكان شابا جامعيا ومتعلما- أمر بأن يتم أخذه إلى مستشفى الأمراض العلقية لكن والد زوجي رفض رفضا مطلقا واعتبر ذلك إهانة في حق ابنه وأصر على أن وضعه يخص السحر والحسد فجابوا به ارجاء السلطنة بحثا عن شيخ او عراف يخلصه من حاله وانفقوا لذلك الكثير من الأموال وبعد مرور ثلاثة أعوام أصبحت الحياة معه جحيما فلم استطع وابنائي تحمل تصرفاته الجنونية فتركته وأخذت أطفالي وعدت إلى أهلي أما هو فلم يكن يعي شيئا مطلقا، ومع الوقت بدأ أهله بالتململ والضجر فقد أصبح كثير المشاكل في الحارة حيث أصبح يرمي الحجارة على الناس لدرجة أنه ضرب ولدا صغيرا مما تسبب في شج رأسه ونزفه لدرجة كبيرة ونقل على إثر ذلك إلى المستشفى بحالة سيئة مما دفع أهله إلى الاقتناع بأخذه إلى مستشفى الأمراض العقلية وهناك جلس لسنوات طويلة وكنا نقوم بزيارته باستمرار وذات يوم تم الاتصال بنا ليعلمونا بأن علينا أخذه لأن حالته مزمنة ولا علاج لها وفعلا تم نقله إلى المنزل ليعود إلى تصرفاته القديمة ثم كتب له القدر ذات يوم أن تصدمه سيارة مسرعة وتخلصه من الحياة المؤلمة التي كان يحياها.