دفاعاً عن النهج الاقتصادي

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٦/سبتمبر/٢٠١٨ ٠٥:١٥ ص
دفاعاً عن النهج الاقتصادي

لورنس هـ. سامرز

رفض جوزيف ستيجليتز مؤخراً اعتبار الركود المزمن أمرا مهما للاقتصاد الأمريكي، وفي هذه العملية هاجم عملي (دون أن يذكر اسمي) في إدارة الرئيس بِل كلينتون وإدارة الرئيس باراك أوباما. وأنا لست مراقبا محايدا في هذا الصدد، لكن هذه ليست المرة الأولى التي أجد فيها تعليق ستيجليتز على السياسة ضعيفا على الرغم من قوة أعماله النظرية الأكاديمية.

يردد ستجيلتز آراء محافظين من أمثال جون تايلور عندما يقترح أن الركود المزمن كان بمثابة عقيدة جبرية اخترعت لتوفير المبرر للأداء الاقتصادي الهزيل خلال سنوات أوباما. وهذا غير صحيح ببساطة. ذلك أن نظرية الركود المزمن، كما قدمها ألفين هانسن، وكما عبرت عنها شخصيا، تؤكد أن الاقتصاد الخاص إذا تُرِك لآلياته الخاصة ربما لا يجد طريق العودة إلى التشغيل الكامل للعمالة في أعقاب انكماش حاد، الأمر الذي يجعل السياسة العامة ضرورة أساسية. وأظن أن هذا نفس اعتقاد ستيجليتز، مما يجعلني عاجزا عن فهم هجماته.

في كل ما أعربت عنه من آراء بشأن الركود المزمن، كنت أؤكد أن هذه الحجة ليست لصالح أي نوع من القدرية، بل كانت لصالح السياسات التي تعمل على تشجيع وتعزيز الطلب، وخاصة من خلال التوسع المالي. في العام 2012، زعمت ومعي براد ديلونج أن التوسع المالي من المرجح أن يغطي تكاليفه ذاتيا. كما أبرزت الدور الذي تلعبه فجوة التفاوت المتزايدة الاتساع في زيادة المدخرات والدور الذي تلعبه التغيرات البنيوية نحو تجزئة الاقتصاد في خفض الطلب.
ولكن ماذا عن السجل السياسي؟ يدين ستيجليتز فشل إدارة أوباما في تنفيذ سياسة تحفيز مالي أكبر حجما ويوحي بأن هذا يعكس خللا في الفهم الاقتصادي. وكان من الموقعين على رسالة بتاريخ 19 نوفمبر 2008، والتي وقع عليها أيضا تقدميون مشهورون مثل جيمس كيه. جالبريث، ودين بيكر، ولاري ميشيل تدعو إلى برنامج تحفيز بقيمة 300 بليون إلى 400 بليون دولار ــ أقل من نصف ما اقترحته إدارة أوباما. وعلى هذا فإن الأمور في التوقعات المرجحة كانت أقل وضوحا من حقيقتها بعد وقوع الأحداث. كنا في فريق أوباما الاقتصادي نعتقد أن التحفيز بقيمة 800 بليون دولار على الأقل ــ وربما أكثر ــ كان مرغوبا، نظرا لجسامة الموقف الاقتصادي. وقد طَلَب منا أعضاء الفريق السياسي المعاون للرئيس الجديد أن نعمل على توليد أكبر قدر ممكن من الترسيخ للتحفيز الضخم لأن الأرقام الكبيرة التي تقترب من تريليون دولار كفيلة بتوليد «صدمة لصيقة» في النظام السياسي. وعلى هذا فقد عملنا على تشجيع مجموعة متنوعة من خبراء الاقتصاد، بما في ذلك ستيجليتز، على تقديم تقديرات أكبر لما كان مناسبا، كما أوضحت مذكرة الإحاطة التي قمت بإعدادها لصالح أوباما. على الرغم من شعبية الرئيس الجديد والمحاولات السياسية الفائقة، فإن قانون التعافي لم يقر إلا بهامش ضئيل للغاية، مع بقاء الشكوك حول إقراره بشكل نهائي حتى اللحظة الأخيرة. ولا أستطيع أن أرى الأساس الذي تقوم عليه الحجة القائلة بأن حزمة تحفيز مالية أكبر كثيرا كانت في حكم الممكن. ومن المؤكد أن محاولة البحث عن حزمة أكبر كثيرا كانت لتعني المزيد من التأخير في وقت حيث كان الاقتصاد في طريقه إلى الانهيار ــ وربما كان ذلك ليؤدي إلى هزيمة التوسع المالي. وبينما كنت أتمنى لو كان المناخ السياسي مختلفا، فأعتقد أن أوباما اتخذ الخيارات الصحيحة في التعامل مع الحافز المالي. من المؤسف للغاية أيضا أنه بعد صدور قانون التعافي الأولي، رفض الكونجرس دعم مجموعة متنوعة من مقترحات أوباما في ما يتصل بالبنية الأساسية والائتمان الضريبي الموجه.
في ما لا يتصل بموضوع الركود المزمن، حاول ستيجليتز النيل مني عندما قال إن أوباما لجأ إلى «نفس الأفراد الذين يتحملون المسؤولية عن نقص تنظيم الاقتصاد في أيام ما قبل الأزمة» متوقعا منهم «إصلاح ما ساعدوا في كسره». وأجد هذا ثريا بعض الشيء. فتحت رعاية المؤسسة التي كانت ترعاها الحكومة، «فاني ماي»، نشر ستيجليتز بحثا في العام 2002 زعم فيه أن احتمالات نضوب رؤوس أموال قروض الرهن العقاري كانت أقل من واحد إلى 50 ألف، وفي العام 2009، دعا ستيجليتز إلى تأميم النظام المصرفي في الولايات المتحدة. لذا، أتوقع من ستيجليتز أن يكون مدركا لحقيقة مفادها أن فهم الأحداث بعد وقوعها أوضح من فهمها استبصارا قبل وقوعها.
وماذا عن سجل إدارة كلينتون في التنظيم المالي؟ بعد الأحداث، من الواضح أنه كان من الأفضل لو تنبأنا بالحاجة إلى تشريع مثل إصلاحات دود-فرانك لعام 2010 ولو كان لدينا وسيلة لتفعيله في ظل كونجرس يسيطر عليه الجمهوريون. ومن المؤكد أننا لم نتنبأ بالأزمة المالية التي اندلعت بعد ثماني سنوات من تركنا للمنصب. ولم نتوقع الطرق التي ستنتشر بها مقايضات العجز عن سداد الائتمان بعد العام 2000. لكننا دعونا رغم ذلك إلى إصلاح المؤسسات التي ترعاها الحكومة واتخاذ التدابير الكفيلة بكبح جماح الإقراض المفترس، وهو ما كان ليفيدنا كثيرا في إحباط تراكم المخاطر قبل العام 2008.
لم أر حجة سببية مقنعة تربط بين إلغاء قانون جلاس- ستيجال والأزمة المالية. وملاحظة أن أغلب المؤسسات المتورطة ــ بير ستيرنز، وليمان براذرز، وفاني ماي، وفريدي ماك، وايه آي جي، ووامو، وواتشوفيا ــ لم يكن قانون جلاس- ستيجال يغطيها، تدعو إلى التشكيك في مدى أهميته المركزية. صحيح أن سيتي وبانك أوف أمريكا كانت من المؤسسات المتورطه بكل تأكيد، لكن الأنشطة التي ولدت خسائر كبرى كانت مباحة بشكل كامل بموجب قانون جلاس- ستيجال. وفي جوانب مهمة، كان إلغاء قانون جلاس- ستيجال فعليا السبب وراء تمكين حل الأزمة، من خلال السماح بدمج مؤسستي بير ستيرنز وجيه بي مورجان تشيس والسماح لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بفتح نافذة الخصم الخاصة لمورجان ستانلي وجولدمان عندما كانا ليتحولا خلافا لذلك إلى مصدر للخطر الجهازي الشامل.
كان الهجوم الرئيسي الآخر على سجل إدارة كلينتون يستهدف إزالة القيود التنظيمية المفروضة على المشتقات المالية في العام 2000. والآن بعد إدراك ما حدث، أتمنى لو لم نساند ذلك التشريع. ولكن نظرا للنهج المتطرف الذي سلكته إدارة جورج دبليو بوش في إلغاء الضوابط التنظيمية، فمن المستحيل أن نتصور الاقتراح بأنها كانت لتنشئ قواعد جديدة رئيسية في ما يتصل بالمشتقات المالية ولكن لقانون العام 2000؛ ولهذا فأنا لست متأكدا إلى أي مدى كانت قراراتنا مؤثرة. من المهم أيضا أن نتذكر أننا كنا نلاحق تشريع العام 2000 ليس لأننا كنا راغبين في إزالة القيود لمصلحته الخاصة، بل لإزالة ما اعتبره المحامون المهنيون في وزارة الخزانة الأمريكية، وبنك الاحتياطي الفيدرالي، ولجنة الأوراق المالية والبورصة، خطرا جهازيا ناشئا عن عدم اليقين القانوني المحيط بعقود المشتقات.
الأمر الأكثر أهمية من محاكمة الماضي هو إعادة النظر في المستقبل. فحتى إذا اختلفنا حول الأحكام السياسية السابقة وحول استخدام مصطلح «الركود المزمن»، فيسعدني أن يتفق مُنَظِّر بارز مثل ستيجليتز مع ما كنت أعتزم التأكيد عليه في إحياء تلك النظرية: لا يمكننا أن نعتمد على سياسات أسعار الفائدة لضمان التشغيل الكامل للعمالة. ويتعين علينا أن نفكر بجدية حول السياسات المالية والتدابير البنيوية الكفيلة بدعم الطلب الكلي المستدام الكافي.

كان وزيرا لخزانة الولايات المتحدة (1999-2001)، ومديرا للمجلس الاقتصادي الوطني الأمريكي (2009-2010)، ورئيسا لجامعة هارفارد (2001-2006)، حيث يعمل أستاذاً جامعياً حالياً.