العقوبات.. هل تكسّر إيران؟

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٦/سبتمبر/٢٠١٨ ٠٥:١٠ ص
العقوبات.. هل تكسّر إيران؟

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبر تغريدة له أنّه «تمّ رسميا التوقيع على العقوبات المفروضة على إيران»، وجاء هذا التصريح بعد مرور ثلاثة أشهر على توقيعه لمرسوم تنفيذي في مايو، أعلن بموجبه عن انسحاب إدارة بلاده من اتفاق إيران النووي لعام 2015. وواصل دونالد ترامب حديثه بفخر عن رجوع «أكثر العقوبات المفروضة قساوة»، وكأنه يدق جرس نهاية خطة العمل الشاملة المشتركة، كما يعرف بها الاتفاق رسميا.

وقد فاجأ التصريح عدداً قليلاً من المراقبين، ولكن ويندي شيرمان، المفاوضة الأولى لخطة العمل الشاملة المشتركة، لم تخف سخريتها، حيث قالت مؤخرا أنها كانت دائما تتوقع أن «يكون التحدي الأكبر لنجاح الاتفاق هو خروقات إيران، وليس الخطط السياسية للرئيس الأمريكي».

فعلاً، يبدو أن الولايات المتحدة وإيران أصبحتا تلعبان أدوارا معكوسة: فعزلة إيران قبل الاتفاق يتناقض مع إصرار الولايات المتحدة على أن تسبح عكس التيار. وأصيب بالإحباط إن لم نقل بصدمة أعضاء خطة العمل الشاملة المشتركة، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين. حيث كان زعماء هذه الدول قد أكدوا من جديد التزامهم القوي بالاتفاق.
وبالمقابل، أكد مسؤولون أمريكيون إصرار الإدارة الأمريكية على أن تتحكم إلى الأبد في «الطموحات النووية لإيران» وأن تضع قيودا على برنامج الصواريخ الباليستية التابع لها وأن تقلص تأثيرها على المستوى الإقليمي. وتهدف الولايات المتحدة الأمريكية من خلال المرحلة الأخيرة للعقوبات التي ستبدأ في 4 نوفمبر (تزامنا مع الذكرى الـ37 لحادث اختطاف ديبلوماسيين وموظفين في السفارة الأمريكية في طهران العام 1979) إلى التقليص من صادرات إيران من النفط حتى تصل إلى «مستوى الصفر».
ونظراً للتاريخ الطويل للعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، يبقى السؤال المطروح الآن هو ما إذا كانت إيران مستعدة هذه المرة لتغيير نظامها أو تصرفاتها بشكل فعال.
وكانت آخر مرة دنت فيها صادرات إيران من النفط إلى مستويات منخفضة جراء مقاطعة اقتصادية كثيفة هي منتصف القرن العشرين، عندما أمّم محمد مصدق، رئيس الوزراء الإيراني الذي انتخب من طرف الشعب، صناعة النفط. حيث أدى حصار النفط الإيراني بقيادة بريطانيا إلى توقف صناعة النفط، وزعزعة الاقتصاد، كما مهدت الطريق للانقلاب الذي كان وراءه بريطانيا وأميركيا والذي أعاد الشاه إلى السلطة العام 1953.
وبعد هذه السنوات المضطربة، انتظرت وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت نصف قرن لتعترف في العام 2000 أن الانقلاب الذي استهدف مصدّق كان «ضربة ضد التقدم السياسي الإيراني» وسببا رئيسيا وراء «مواصلة العديد من الإيرانيين رفضهم للتدخل الأمريكي».
ولم يمنع هذا الشعور بالذنب، إن اصح التعبير، فرض المزيد من العقوبات ضد إيران. إذ كانت للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا في الفترة ما بين 2010 و2015 نتائج متباينة. وأدت هذه التدابير الشاملة التي وصفها رئيس الوزراء الأمريكي آنذاك جو بايدن على انها « الأكثر قساوة في تاريخ العقوبات»، إلى انخفاض مستوى صادرات النفط بنسبة الثلثين، أي إلى أقل من مليون برميل في اليوم.
وعانى المواطن الإيراني البسيط من المزيد من البؤس جراء الكساد الناتج عن هذه العقوبات، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي إلى ما يقارب 6 % في 2012، وفاقت نسبة التضخم 35 % في العام التالي، مما أدى إلى فشل ذريع في القطاع الخاص وتنامي معدل الباحثين عن عمل. وعلى عكس ما كانت ترمي إليه للعقوبات، فقد تعززت السلطة السياسية والاقتصادية للقطاع العام والمنظمات الحكومية. وفي نفس الوقت، أصرت إيران على حقها السيادي في مواصلة برنامجها النووي السلمي. وبدا نطاق التسوية غائبا إلى أن تولت الإدارة الإصلاحية للرئيس حسن روحاني السلطة العام 2013.
إذا، أين يكمن الاختلاف الآن؟رغم أن النظام الأمريكي للعقوبات يعد بالمزيد من القساوة، فهو ليس مدعما من قبل قرارات مجلس الأمن للأمم المتحدة، وبالتالي فهو يفتقر إلى الشرعية الدولية. وهذا يعني أن عزلة إيران ستكون بعيدة كل البعد من أن تكون كاملة نظرا لإعلان الشركاء التجاريين الرئيسيين، بما في ذلك الصين وتركيا موافقتهم على العقوبات «الشرعية» فقط.
لكن الوضع الفعلي وليس الوضع الشرعي لهذه العقوبات هو الذي سيحدد مدى فعاليتها. وهذا ينطبق بالخصوص على الشركات الأوروبية التي ستقرر أخيرا بشأن نتيجة المعركة من أجل عقوبات ثانوية وفقا لمصالح المساهمين فيها بدلا من الخطط السياسية لحكوماتها.
وهذا يفسر الكم الكبير من صادرات إيران التي أعلنتها شركات كبرى. وفي عالم مترابط حيث يتمدد ويتوسع تأثير الاقتصاد الأمريكي، من الصعب حتى بالنسبة للشركات الأوروبية – بما في ذلك شركات تصنيع السيارات وشركات الطيران وشركات الطاقة والبنوك وما شابه- أن تثير غضب المسؤولين في الخزانة الأمريكية. وهذا يعني أنه من الأرجح أن يعتمد نجاح هذه العقوبات في الأخير على كيفية تعامل الآخرين معها بقدر تعامل إيران نفسها معها.
ولكن الوضع الداخلي في إيران يلعب دورا رئيسيا أيضا، وهنا ما يكسب أمريكا الثقة في نجاح هذه «العقوبات». فقد اندلعت احتجاجات واسعة في إيران ضد تردي الأوضاع الاقتصادية واستمرت لشهور عديدة. وأضعف هذا الهيجان المصلحين الإيرانيين وأحبط آمالهم في الاحتكار.، كما أنه شجع المتشددين حيث يمكنهم الآن أن يدعوا أن انسحابهم من خطة العمل المشتركة الشاملة كانت مبررة من البداية. وكانت هناك بالفعل آثار اقتصادية، خاصة مع هبوط العملة الإيرانية بشكل مفاجئ وسريع بعد شكوك حول شروع الولايات المتحدة الأمريكية بالانسحاب من الاتفاق، ليحوم بذلك شبح التضخم في إيران.
وفي الأخير، من وجهة نظر الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل أن تكون العقوبات ناجحة فعليها أن تغير النظام أو التصرفات. ولم تكن للعقوبات عبر التاريخ سجلا مقنعا (مثلا كوبا وماينمار وزيمبابوي) بشان تأثيرها على تغيير النظام، وإذا ما كانت تمهد الطريق لتغيير التصرفات عن طريق تسوية بعد المفاوضات يبقى أمرا يتطلب إعادة النظر. لكن هناك أمر واضح: «إن مبدأ ترامب» المطبق على إيران والذي يتجلى في دفع أعدائه إلى الحافة في أمل أن يكونوا أول من يستسلم دخل ميدانا مجهولا.

مدير معهد الشرق الأوسط في لندن وأستاذ شعبة الاقتصاد في مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن.