وادي الميح ليس طريقاً للظلام!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٦/سبتمبر/٢٠١٨ ٠٣:٥٣ ص
وادي الميح ليس طريقاً للظلام!

علي بن راشد المطاعني

في الوقت الذي فتحت فيه المدارس أبوابها في طول البلاد وعرضها لأكثر من 600.000 طالب وطالبة في مختلف مراحل التعليم، إلا أن البعض رفض أن يدرس أبناءه في هذه المدرسة أو تلك لأنها ليست قريبة من منزله أو تبعد بضع كيلومترات من البيت أو أنها ليست في قريتهم أو أنه نظر للمسألة من منظور قبلي للأسف وغير ذلك من الممارسات التي من غير المقبول أن تكون عائقا أو عثرة في طريق التعليم الذي انطلق في هذا الوطن تحت ظل شجرة، كما أعلن ذلك حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله- ‏إلى أن وصل إلى ما هو عليه اليوم من تقدم وتطور يتوجب معه الشكر لرب العالمين كأحد موجبات دوام النعم، وليس بإثارة الفوضى والتدخلات غير الإيجابية من بعض المغرضين وتأجيج الأهالي بدواع عفا عليها الزمن ويعاقب عليها القانون في دولة المؤسسات والقانون.
لا شك أن التعليم في البلاد متاح للكل بدون استثناء ولا يتضمن النهل من معينه أي اشتراطات مناطقية قبلية أو فئوية، ولا يجب أن نسمح بخلط الأوراق في هذا المجال وغيره في هذا الوطن المعطاء والقائم على العدالة والمساواة بين أفراده، وبالتالي لا بد للقانون أن يتدخل بقوة لحسم هذا الانفلات المرفوض.
فعلى أولياء الأمور تقدير مصالح أبنائهم فوق أي دعوى مشبوهة تحرّضهم على منع أبنائهم من التعليم وحرمانهم منه لمجرد التعاطف المناطقي أو القبلي لقبول هذه المدرسة أو رفض تلك.. فعليهم أن يضعوا مصالح تعليم أبنائهم كأولويات قصوى ولا يسمحوا لأي كان التأثير عليهم فيها..
ففي ظل تكدس الطلاب في المدرسة التي يرغبها أولياء الأمور لكونها الأقرب من مساكنهم، فمن الطبيعي أن جهة الاختصاص ستبحث عن بديل للطلبة، والمدرسة البديلة لا تبعد عن القرى سوى 15 دقيقة بالسيارة، وفي ظل توفير وسائل النقل للطلبة من وإلى المدرسة التي تم تجهيزها بأحدث المواصفات والأجهزة والمعدات وغيرها من المعينات التعليمية والتربوية، فلا يمكن الاعتداد بتلك المبررات لحرمان الأبناء من التعليم ولا يمكن الوقوف على دعاوى مغرضة تؤجج من بعض المنتفعين لأغراض مفهومة ومكشوفة طبعا.
كما أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعية لتضخيم الموضوع بشكل مغرض وممنهج بهدف التشويش على قطار التعليم المنطلق إلى غير رجعة في كل شبر من هذا الوطن ليضل طريقه المتجه صوب المجد، لهو تصرّف لا مكان له في هذا الوطن، فهذه الوسائل الافتراضية والمنتجات الفيلمية التي قصد منها إرباك المشهد التربوي تعد أمرا مستغربا، إذ لا يعقل أن نجد أناسا أسوياء يعمدون إلى إرباك أهم مقومات التقدم والرقي وهو التعليم في بلادهم والتشويش على المسار التربوي بإثارة هذه الجوانب الشكلية، بدلا أن يكونوا ناصحين لغيرهم.
إن المجتمع الصامت المتفرّج أحيانا والحريص على تناقل مثل هذه الأفكار التي لا تخدم مسيرة التعليم ولا تطويرها ولا تجويدها هو مجتمع يلعب دور المشارك للأسف في فسح المجال واسعا أمام أفكار ونزعات هدامة لكل ما أُنجز وتحقق في التعليم.. ويتوجب على الفئة المتعلمة والمثقفة ألا تقف صامدة في وجه مثل هذه الأصوات النشاز بل تحاربها لأنها معاول هدم وليست أدوات بناء وتعمير..
فمع تقارب المسافات بين المدارس أو تباعدها قليلا عن بعضها، فليس من مسؤولية أولياء الأمور تحديد المدرسة التي يدرس بها الأبناء، فهذه مسؤولية الجهة المختصة، وتخضع للكثافة العددية في الفصول والمرحلة الدراسية التي تدرس في هذه المدرسة أو تلك، فضلا عن المرحلة العمرية للطلاب ومدى تجانسهم وغيرها من الأمور الفنية والتربوية.
فالجهات المختصة بالتربية والتعليم ليست بحاجة لوصاية من أحد في هذا الشأن، باعتبارها تعلم جيدا ما تقوم به وهي أحرص منا جميعا على سلامة العملية التربوية والتعليمية، وبالتالي فإن ما تحتاجه الجهات المختصة هو مؤازرة أولياء الأمور وتفهمهم وليس إثارة الغبار والعثار بهذا النحو الخطير.
لقد كان من المناسب أن نركز على أهمية التفكير في تجويد نوعية التعليم بدلا من التنازع على المكان الجغرافي الذي تُشاد به مؤسسات التعليم، تلك شكليات وقشور لن تقدم شيئا غير أنها قادرة على التأثير سلبا في هذه القضية الوطنية والمحورية والتي ينبغي أن تكون أبدا ودوما نقطة اتفاق وليست نقطة اختلاف وتنازع في الخط الأحمر الخاص بمستقبل الوطن وحاضره.
فَلَو أن الأصوات التي ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعية ووقفت أمام بوابات المدارس وافتعلت دراما للتشوش على التعليم، انطلقت تطالب بتجويد التعليم وتحسين مستوى تحصيل تعلم الطلاب لوجدت الترحيب والتقدير باعتبارها رديفة للمصلحة العليا للوطن، وبالقطع كانت ستكون أسمى من أن تنطلق إلى مناطق سطحية وضيّقة جدا في أمر التعليم كاختيار المدرسة الأقرب من المنازل رغم أنها مزدحمة أكثر من الطاقة الاستيعابية لها.
نأمل أن نكون أوصياء خير في مثل هذه المواقف التي تتطلب إظهار الحكمة في التعاطي والنظر بعين التقدير لما هو متوفر والمطالبة بكل وقار واحترام بما يجب أن يتوفر بعيدا عن الضوضاء والفوضى التي لا تفضي إلى شيء أكثر من تعطيل التنمية وإدخالنا في متاهات على أسس رمينا بها وراء ظهورنا منذ زمن بعيد، ولا يمكن العودة إليها لإرضاء هذا أو ذاك، بل يجب أن يعي الجميع أن المدارس لن تكون في المنازل لكي يرضى هذا وذاك. ووادي الميح ليس طريقا للظلام وإنما طريق العلم والنور الذي نتطلع أن يبدد دياجير الجهل.