فريد أحمد حسن
من الأخطاء التي يقع فيها الكثير من العرب قيامهم باستيراد تجربة مجتمعية أثبتت نجاحها في دولة غير عربية ومحاولة تطبيقها في بلادهم، بل أن نجاح تجربة ما في أي بلاد عربية لا يعني ضرورة نجاحها في بلاد عربية أخرى، فلكل مجتمع خصوصياته وحراكه وظروفه وتاريخه وتراثه ومكوناته، ولكل مجتمع ما يتميز به عن المجتمعات الأخرى ويعينه على نجاح تجربة ما في زمن ما. ليس هذا فحسب بل أن نجاح دولة ما في حل مشكلة ما لا يعني إمكانية حل المشكلة المماثلة لها أو حتى المشكلة نفسها في دولة أخرى وبالتالي فإن استيراد الحلول من الخارج لا يعني أنه صار بالإمكان تخلص البلاد المستوردة لها من مشكلاتها وإن كانت متشابهة أو حتى متماثلة ومتطابقة. خصوصية كل بلد هي التي تحكم، والأكيد أن هذا الأمر يختلف عن الأمور المادية بما فيها زراعة الكلى التي قد تفلح في حالة ولا تفلح في أخرى حيث المسألة تعتمد على مدى قبول جسم المستفيد من العضو الجديد.
الظروف التي أدت بدولة أو دول معينة إلى النهوض والتطور لا بد أنها تختلف عن الظروف التي تحكم بلداننا. لا يكفي أن نعقد العزم على النهوض والتطور، والأكيد أن الأمر يصعب شراؤه بالمال. ما ساعد تلك الدولة أو الدول على النهوض لا يمكن أن يساعد دولنا على النهوض، وما أدى بتلك إلى التطور ليس بالضرورة يمكن أن يؤدي بدولنا إلى التطور. هذه واحدة من الإشكاليات المهمة التي ينبغي أن يضعها كل راغب في إحداث أي تغيير في بلدادنا أمامه، فمجتمعاتنا تختلف وظروفنا تختلف وكل شيء فينا مختلف عن الآخر الذي توفرت له الأسباب التي كان نتاجها نجاح تجربة ما أو حل مشكلة ما. التجربة الفلانية نجحت في الدولة الفلانية لأنه تهيأت لها ظروف معينة ولأن المجتمع هناك توفرت له الأسباب التي جعلته يتقبل التغيير المنشود، والتجربة العلانية فشلت في الدولة العلانية لأنه لم تتهيأ لها الظروف المناسبة ولأن المجتمع هناك لم يكن متهيئا بعد للتغيير. ومثلما أن فشل التجربة في الدولة العلانية لا يعني فشلها في دولنا فالأكيد أن نجاحها في الدولة الفلانية لا يعني نجاحها في دولنا لو قررنا القيام بالتجربة نفسها. لا يمكن لنا استيراد الديمقراطية والقول بأنها نجحت في هذه البلاد أو تلك وأنه مثلما نجحت هناك ستنجح عندنا، وهكذا الأمر فيما يتعلق بكل أمر له علاقة بالمجتمع كالحريات مثلا إذ من غير الممكن أن تصير لدينا في بلداننا حريات كالمتوفرة دائما في بلدان أوروبا وأمريكا فالمجتمعات هناك تختلف عن المجتمعات في بلداننا المرتبطة بالدين الإسلامي. التجربة المجتمعية، سواء كانت سياسية أو ثقافية أو فنية أو حتى اقتصادية تنجح في مجتمع ما إن توفرت لها ظروف وأسباب معينة ولا تنجح فقط لأننا نرغب في نجاحها أو لأننا رأيناها نجحت في بلاد أخرى ونريد أن يكون لدينا مثلها. في هذا السياق يمكن الاستشهاد بما ينقل عن مالك بن نبي حيث قال «إن لمشكلات الإنسان طبيعتها الخاصة وأنها تختلف اختلافا كليا عن مشكلات المادة حيث لا يمكن أن تطبق عليها الحلول التي تستقى براهينها من الخارج».
هنا مثال قد يعين على توضيح الإشكالية؛ إيقاع الحياة في بلاد مثل أمريكا يختلف عن إيقاعها في بلادنا العربية أو الخليجية، الظروف هناك تختلف وفيها للوقت قيمة لا يدركها الكثيرون في بلادنا، وفيها حراك الواقع والحراك الاجتماعي مختلف تماما عن حراك الواقع والحراك الاجتماعي في بلادنا. السرعات تختلف، وبالتالي لا يمكن الإتيان بأي حل أثبت نجاحه هناك وتطبيقه في بلادنا، فالنتيجة المنطقية هي فشل الحل عندنا. القصة ليست في تشابه المشكلة ولكن في اختلاف الظروف والإيقاعات. ذاك مجتمع وهذا مجتمع مختلف عنه في كثير من الأمور، وبالتالي فليس منطقا استيراد حلول من أمريكا والقول إنها ستحل المشكلة نفسها في بلادنا، والسبب هو حالة الاختلاف في الأمور الأخرى غير المشكلة.
المختصون في علم الاجتماع يؤكدون بأن الحلول المستعارة تفقد فعاليتها في الطريق وبمجرد انفصالها عن إطارها الاجتماعي. في هذا الخصوص يقول الكاتب الشيخ ناجي آل زواد مؤلف كتاب «رؤى في ثقافة الإصلاح والتغيير» الصادر عن مركز آفاق للدراسات والبحوث في 2011 إن «مجال المجتمع ليس كمجال الميكانيكا، وهو لا يرتضي كل الاستعارات، لأن أي حل ذي طابع اجتماعي يشتمل تقريبا ودائما على عناصر لا توزن، ولا يمكن تعريفها، ولا يمكن أن تدخل في صيغته التعريف، على حين تعد ضمنا جزءا منه لا يستغني عنه، عندما تطبق في ظروف عادية، أي في ظروف البلاد التي تستوردها منها». مثلما أنه لا يحك جلدنا غير ظفرنا، كذلك فإنه لا يمكن استيراد ظفر من الخارج لحل مشكلاتنا، فحتى لو كان الظفر المستورد ذهبياً لا يمكنه أن يحك مشكلاتنا لأنه ليس بظفرنا. مشكلاتنا نحلها بأنفسنا إن درسناها جيداً وأوكلنا أمر دراستها وحلها إلى المتخصصين والمعنيين، ولأن الأمور التي تشغلنا دائما كالديمقراطية والحريات وما شابه مرتبطة بالحراك المجتمعي لذا فإن استيراد الحلول لها من الخارج يدخل في باب النكتة، والأكيد أن مصيرها الفشل لو أننا استوردناها في كل الأحوال.
كاتب بحريني