ثورة «فينتك».. فتح جديد في تاريخ البشرية

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٤/سبتمبر/٢٠١٨ ١٨:٥٧ م
ثورة «فينتك».. فتح جديد في تاريخ البشرية

محمد بن محفوظ العارضي

تمكنت التكنولوجيا المالية المعروفة اختصاراً باسم «فينتك» Fintech من السيطرة على خيال العالم خلال السنوات القليلة الفائتة، بعدما نجحت في توفير بدائل فعالة للوسائل التقليدية لأداء المدفوعات، حتى أصبحت الحاجة ملحة إلى إعادة تعريف النقود التقليدية، بعدما أوشكت بشكلها المتعارف عليه أن تصبح من الماضي.

والمؤكد أن الثورة الرقمية في القطاع المالي حول العالم ماضية في طريقها إلى آفاق جديدة غير مسبوقة، وبدأت آثارها في الظهور إقليمياً مع قرب ظهور البنوك الرقمية بالكامل في منطقتنا العربية بفضل مئات ملايين الدولارات المستثمرة في هذا المجال، بالإضافة إلى التزايد المطرد في المعاملات المالية والتجارية على شبكة الإنترنت التي تضاعفت عدة مرات خلال السنوات الخمس الماضية، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، وكذلك التوسع الاستثماري في مجال منصات التجارة الإلكترونية إقليمياً، مع استحواذ «أمازون» على «سوق دوت كوم»، بالإضافة إلى إطلاق منصات عربية خالصة باستثمارات ضخمة مثل «نون» وغيرها.

ولا تخلو ثورة التكنولوجيا المالية من تحديات، كغيرها من محطات التقدم البشري في بداياتها، وخصوصاً ما يتعلق بالعملات الرقمية، باعتبارها أصبحت أداة أساسية وضرورية في استكمال مسار هذه الثورة نحو آفاق غير مطروقة من قبل.
وبالطبع فإنه من الخطأ اختزال العملات الرقمية أو المشفرة وأشهرها «بتكوين» في كونها فقاعة أو «موضة» سرعان ما ستزول.
ومن الخطأ أيضاً اعتبارها وسيلة سريعة للثراء يقبل عليها المهووسون بالمخاطرة، لأن الأيام الماضية أثبتت أنها عرضة لانهيارات سعرية حادة تجعل الأموال المستثمرة فيها عرضة للتبخر في غمضة عين.
وليس صحيحاً على الإطلاق أن العملات المشفرة مجرد وسيلة لغسل الأموال أو تمويل الأنشطة المشبوهة فقط، مع التسليم بإمكانية حدوث ذلك، ولكنها لا تختلف في هذا الأمر عن النقود التقليدية أو غيرها من الوسائل المعتمدة في النظام المالي العالمي (الشيكات، التحويلات البنكية، بطاقات الائتمان وغيرها)، فقبل ظهور بتكوين وأخواتها كانت هذه الجرائم تحدث، فالعبرة هنا بقدرة الأجهزة الرقابية على تتبع المخالفات وليس أداة التمويل.
ولا يعني ذلك بالضرورة أن العملات المشفرة بوضعها الحالي لا تمثل خطراً، ولكن العبرة بكيفية استخدامها وتوظيفها لخدمة الاقتصاد بشكل قانوني.
وتتلخص أبرز الانتقادات الموجهة للعملات الرقمية في كونها بلا غطاء وليس لها أصول ملموسة ولا يقابلها التزام من البنوك المركزية التي سارع أغلبها حول العالم بالتحذير من خطورة التعامل بها، ورغم ذلك فإن القيمة السوقية للعملات المشفرة الست الرئيسية مطلع الجاري نحو 125 بليون دولار تمثل نحو 2.5% من قيمة النقود المتداولة عالمياً والبالغة حوالي 5 تريليونات دولار طبقاً لبيانات بنك التسويات الدولية، وهذه نسبة لا يستهان بها إذا أخذنا في الحسبان حداثة عهد هذه العملات التي يعود إلى 2009.
والمؤكد أن هناك طلباً حقيقياً على هذا النوع من العملات، لأنه يسد فراغاً لم تفلح الوسائل التقليدية في سده، وخصوصاً مع التطورات المتلاحقة في تكنولوجيا «بلوك تشين» blockchain التي تعتبر فتحاً جديداً في مجال التكنولوجيا المالية من شأنه إحداث تغيير شامل في النظام المالي التقليدي، يشبه إلى حد كبير ما أحدثته الإنترنت في حياتنا منذ ظهورها في الربع الأخير من القرن الماضي.
والأفضل أن تسارع البنوك المركزية في منطقتنا العربية إلى احتواء هذا الفتح التكنولوجي الجديد بدلاً من الاكتفاء بالتحذير منه، وخيراً فعلت عدد من الحكومات العربية بإعلانها إصدار عملات رقمية خاصة بها، وهذه بداية جيدة سيتبعها بالتأكيد خطوات أكثر تطوراً.
والخلاصة أن: ثورة التكنولوجيا الرقمية والعملات المشفرة ليست شراً بحد ذاته، ولكنها تطور جديد في تاريخ البشرية يجب تطويعه لخدمة الإنسان، لأن التكنولوجيا الكامنة وراء هذه العملات تقنية بلوك تشين يحتمل أن تحدث ثورة في التمويل بجعل المعاملات أكثر سرعة وأماناً، في حين أن توفر معلومات أفضل عن الزبائن المحتملين من شأنه تحسين تسعير القروض من خلال تقييم أفضل لاحتمالات السداد، وبالطبع تحتاج الأطر التنظيمية إلى ضمان النزاهة المالية وحماية المستهلكين مع مواصلة دعمها للكفاءة والابتكار، إن إعادة تنظيم الاقتصاد حول التكنولوجيا المالية الثورية يولد فوائد ضخمة على كافة المستويات، والمستقبل لهؤلاء الذين سيسارعون لاغتنام الفرصة قبل غيرهم.

رئيس مجلس الإدارة التنفيذي في إنفستكورب

ورئيس مجلس إدارة بنك صحار