خطوة تحد من هروب العمال

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٣٠/أغسطس/٢٠١٨ ٠١:٥٧ ص
خطوة تحد من هروب العمال

علي بن راشد المطاعني

يعد قرار وزير القوى العاملة بإلزام العامل الذي يترك العمل بدفع المبالغ التي دفعها صاحب العمل لاستقدامه في حالة هروبه والعمل لحسابه الخاص خطوة من خطوات في ضبط سوق العمل في السلطنة وتقنين الممارسات الخاطئة التي تعتريه من جانب القوى العاملة السائبة التي تنتهك القوانين المعمول بها في البلاد، وتتجاوز المواثيق والالتزامات.
إن أحد أهم الإشكاليات التي يعاني منها سوق العمل هي هروب العمال عن كفلائهم بشكل كبير، لذا تجد الصحف المحلية تعج بإعلانات الهروب التي تسجل فقط كإجراء قانوني يتوجب على صاحب العمل القيام به، ولكن هناك آلاف الهاربين لا يعلن عنهم أيضا، لدرجة أصبح معها الهروب منهجية الكثير من القوى العاملة الوافدة في السلطنة مستغلين الفراغ القانوني الذي يجرم هذه الظاهرة وانعكاساتها على أصحاب العمل، وعدم وجود صرامة في التعامل مع غير العمانيين، ولذا يأتي هذا القرار ليسد هذا الفراغ القانوني ويلزم العامل الهارب برد المبالغ التي دفعت لاستقدامه وكذلك عاملات المنازل اللاتي يتكبد مستقدمهن مبالغ تزيد على ألف ريال لتصبح العاملة هاربة عن المنزل بدون أي عقوبة رادعة لها وتخليص السلطنة من الوافدين الذين لا عمل لهم.
فعلى الرغم من أن الأطر تعاقب من يقوم بتشغيل القوى العاملة الهاربة كعقوبة مادية إلا أن ذلك لا يبدو كافيا وإنما يحتاج إلى عقوبات جزائية رادعة ليكون عبرة للآخرين سواء العامل أو المشغل له، لأن الغرامات على ما يبدو لم تجد نفعا في الحد من هذه الظاهرة ولا بد من إيجاد عقوبات فعلية تتوازى من الجرم الذي يقوم به البعض، فسوق العمل لن يستقيم ما لم يقرن بإجراءات صارمة وهو ما نتطلع أن تجريه الحكومة لتنظيف السوق من القوى العاملة الهاربة على الأقل.
إن معضلة هروب القوى العاملة التي يعاني منها الجميع والممارسات غير القانونية تحتاج إلى أن تقنن بأطر وتشريعات تلزم كل الأطراف سواء كانوا عمالا أو أصحاب عمل أو مشغلين للهاربين كمجرمين بقوة القانون فلا يمكن أن يصحح سوق عمل بدون مثل هذه التشريعات مهما عملنا من توعية أو حملات تفتيش، بخاصة وأن الأنظمة تساعد الكل على أخذ حقوقهم بقوة القانون، وليس هناك مبرر للهروب بدواعي عدم دفع الأجور أو تأخيرها على سبيل المثال.
إن هذه الممارسات مؤثرة بلا شك على الجهود الحكومية الهادفة إلى تعمين الوظائف وريادة الأعمال، من خلال عمل قوى عاملة مخالفة للقوانين والمنافسات غير المتكافئة بين القوى العاملة الوطنية والهاربة، فتنظيم سوق العمل على نحو صارم سوف يفرز فرص عمل للمواطنين ويفتح آفاقا واسعة أمام الشركات الجادة للعمل في سوق منظم.
بل إن هذه الممارسات والظواهر للهروب تسبب قلقا أمنيا من خلال المشكلات التي تعج بها المحاكم والقضايا على اختلافها التي تنظرها العدالة، فالتسيب والهروب ساهم في نقل ممارسات وظواهر في البلدان الآسيوية إلى بلدنا، فالأهمية تقتضي أيضا اجتثاث المشكلات من جذورها بصرامة القوانين في مجتمعات تعاني من ضعف الثقافة وقلة الوعي كمجتمعنا.
بالطبع مثل هذه القرارات وتنظيم سوق العمل سيجد معارضات من بعض المنتفعين بإثارة بعض المغالطات وصولا إلى وصم الجهات المختصة بانتهاك حقوق العمال وتضيق سوق العمل، ولكن ضبط السوق وتعزيزه بمنظومة قانونية رادعة هو السبيل الأمثل لإنهاء كل الممارسات الخاطئة التي تعبث في السوق بهذا الشكل المسيء.
نأمل أن تمضي وزارة القوى العاملة في سن التشريعات والقوانين التي تجرم الممارسات الخاطئة في سوق العمل وتوقع العقوبات على كل الأطراف، فأي انتهاك للنظام هو اعتداء على الدولة يجب تجريمه وعقوبته. فهذا هو السبيل لإنهاء الإشكاليات واحترام النظم والقضاء على الممارسات الخاطئة التي تعتري سوق العمل أيا كانت التكلفة مقارنة مع احترام الجميع للنظام.