مسقط - ش
يسارع الإقتصاديون عادة للاعتراف بعدم قدرتهم على تنبؤ حصول الازمات والركود الإقتصادي، على الرغم من وجود العديد من المؤشرات التي تتنبأ ببيئة يشوبها صعوبات تشغيلية في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي. وتكون هذه المؤشرات داخلية ضمن الاقليم نفسه او خارجية تعتمد على التطورات الإقتصادية على المستوى العالمي. و على الرغم من الإختلاف الكبير بين دول مجلس التعاون الخليجية في مستويات الديون والاحتياطات المالية، فإن أغلبها يشهد تراجعا كبير في عائدات الصادرات وعوائد الاستثمارات الاجنبية المباشرة. ويعمل القائمون على هذه الإقتصادات، بشكل متباين، على استخدام الاحتياطات المالية وسبل التمويل المتاحة لتقليل آثار هذه التراجع بالاضافة إلى تخفيضات عديدة على الميزانيات الكبرى لمواجهة التراجع في الايرادات على مستوى الاقليم. ولقد اعتبرت هذه التدابير بداية ردود فعل طبيعية لمواجهة الانخفاض في أسعار النفط، ولكن يعمل اصحاب القرارفي الاقليم على انتهاج اساليب اخرى لمواجهة الضعف المالي والإقتصادي الذي تواجهه دولهم. ويشمل هذا النهج اسلوب الاندماج وخفض الاعانات وووضع ضوابط على النفقات الراسمالية وتعزيز نهج التنوع الإقتصادي والاصلاحات الهيكلية للحفاظ على الثروات الوطنية.
أبرز المؤشرات
ومن أبرز المؤشرات هي التراجع الحاد في أسعار النفط، والتي تنبأ بها الكثيرون، حيث تتوقع مستويات منخفضة من الأسعار وتستمر بالتراجع خلال السنوات القادمة. وعندما تقارن بأسعار السلع الاخرى التي تستمر بالتراجع لأسباب عدم الإستقرار الإقتصادي على مستوى الاقليم بالاضافة إلى الضعف الإقتصادي في أوروبا وروسيا وآسيا هنا تلوح بوادر الازمة الإقتصادية.و يضاف اليها انخفاض مستوى أسعار الفائدة على الصعيد العالمي وانخفاض نمو الناتح المحلي الاجمالي الصيني، والركود الإقتصادي في البرازيل وإقتصادات اخرى نامية، ومن غير الواضح متى سيظهر التأثير الإقتصادي للتراجع الإقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث من المرجح ان تظهر هذه التأثيرات في المستقبل القريب وعلى المؤسسات العاملة في الاقليم الاستعداد لذلك. حيث ستؤدي التغييرات المصاحبة للوضع الإقتصادي المنفتح ونضج القطاع الصناعي في هذه البلدان إلى ضرورة التعاون على مستوى الاقليم لاستيعاب هذه التغييرات والتكيف معها بطريقة مستدامة.
الاجراءات الواجب اتخاذها
ان التحولات الجذرية التي تحصل في السوق غالبا ما تحصل خلال فترات الركود الإقتصادي، وبالتأكيد فان مدراء الشركات الذين يستجيبون بسرعة للبيئة الإقتصادية المتغيرة تنعكس بشكل ايجابي على اعمالهم، ويكون التأثير اكبر اذا حصل التغيير قبل ان تحدث الازمات الاقتصاية او عند استشرافها. وهناك العديد من مدراء كبرى الشركات العاملة في منطقة الخليج قد بدأت فعلا بالاستعداد مثل شركة سابك العملاقة للبتروكيماويات التي اعلنت بتاريخ 8 اكتوبر 2015، عن عزمها تطبيق عملية تحول شامل تهدف إلى تحويلها إلى مؤسسة اكثر فعالية من ناحية النفقات وذلك استجابة إلى التغييرات الحاصة في الاسواق بالاضافة إلى ادخال التكنولوجيا في عملياتها ومبادراتها. وهناك عدة شركات اخرى اتخذت اجراءات استراتيجية لمواجهة القضايا الناجمة عن التراجع الإقتصادي مثل خطط التوسع التي يطبقها بنك ابوظبي الوطني في مناطق افريقيا والشرق الأوسط وآسيا لتحقيق التوازن في التواجد على مستوى الاقليم.
خفض التكاليف بشكل صارم
من الاجراءات التي يمكن اتخاذها في هذا المجال خفض التكاليف بشكل صارم لايعتبر الحل الوحيد. هي خطوة مهمة ولكن ليس على حساب التطور المستقبلي للشركة، ان الهدف الاساسي هو خلق منهج عمل متوازن يجمع ما بين هيكل تكاليف تنافسي مما و تكمن نقاط الضعف في هذه الاجراءات الضرورية في التشديد على السيولة في القطاع المالة بسبب تقليل الدعم الحكومي. ويؤدي التضييق المالي إلى ازدحام القطاع الخاص والذي يواجه صعوبات في التمويل وخصوصا في ظل تزايد تكاليف التمويل. بالاضافة إلى زيادة الضغوطات على الشركات الخاصة التي تعتمد بشكل اساسي على الانفاق الحكومي والشركات التي تتعاون مع شركات قطاع النفط والغاز. مما له اثار مضاعفة على هذه الشركات بسبب امكانية امتداد تأثير التشديد المالي على القطاعات الخاصة بهذه المجالات وخصوصا المتعلقة بقطاع النفط والغاز والتي تستحوذ على الحصة الاضخم من الناتج المحلي الاجمالي في الاقليم. وبالتالي يمكن ان يمتد تأثيرها على اغلبية الشركات العاملة في الاقليم بطريقة او بأخرى.
تزايد المنافسة الاجنبية
ويزيد الوضع المتأزم اصلاً الضغوطات على الشركات المتمركزة في منطقة الخليج بسبب عوامل داخلية على الرغم من ان هذه الشركات قد تأقلمت خلال القرن الماضي مع الاوضاع الحالية الا انها تواجه حاليا منافسة متزايدة من قبل اللاعبين الجدد القادمين من اسواق خارجية. وقد فتحت عدة بلدان مثل المملكة العربية السعودية اسواقها امام الاستثمارات الاجنبية حيث انشأت بيئة جاذبة للاستثمارات الاجنبية والشركات الدولية من اجل توزيع اعباء النفقات الناجمة عن الانفاق المتعلق بالبية التحتية. وقد اضفت هذه الخطوة صبغة المهنية على الاعمال مما شكل تحديا كبيرا للاعبين المحليين وامكانيات استمرارهم في السوق لفترة طويلة في حال تبنيهم لمعايير عالمية عند ادارة وتشغيل اعمالهم وتمتعهم بالمرونة اللازمة للتكيف مع البيئة المتغيرة باستمرار.
الادارة النقدية المشددة
حتى في حال توفر دفعات وسيولة مالية، تعاني العديد من الشركات في موضوع تخصيص الدفعات النقدية للاستخدامات الداخلية، وفي بعض الحالات، تعمل فروع الشركة على توليد الدفعات المالية بينما يزداد مجمل ديون الشركة الاساس، كما ان تكاليف حلول التمويل المطروحة قد تكون عالية لأسباب عدم توازن توزيع السيولة او عدم القدرة على الاستفادة من الموارد النقدية على مستوى الشركة بشكل عام. ويمكن ان يسوء الوضع بشكل اكبر بسبب عدم وجود فروع او شركات تابعة (التحوط الطبيعي). ان الادارة النقدية الحازمة مهمة جدا لمعالجة مثل هذه القضايا في اوقات الازمات الإقتصادية. . وتشمل الادارة الحازمة للنقد ادارة متكاملة للسيولة على مستوى الشركة ككل و نظام لتطبيق تقديرات السيولة وعمليات ممنهجة من ناحية المدفوعات وتجميع النقد وخطوط الدين وسياسات واضحة وشاملة تتعلق بالنشاطات المالية
تخفيض النفقات
حيث لم يعد المنهج القديم القائم على تخفيض النفقات وتقليص حجم الشركة لانعاشها ينطبق لتجاوز الازمات. ويؤدي ظهور الازمات إلى دفع الشركات لتحقيق مستويات اعلى من الانتاج والاستثمار في النمو، ويعتبر الاداء ونسبة الانتاجية مؤشرا مهما في الوقت الحالي على قدرة الشركة على المنافسة دوليا. كما يجب الاعتماد على التخطيط الاستراتيجي المرن واعادة تقييم نموذج الاعمال المتبع. حيث يعتبر تحليل الموقف من الامور الرئيسية التي تكون في صميم اعمال التخطيط الاستراتيجي التي تقوم بها الشركة. حيث يجب التفكير في بدائل بدلا من انتهاج خط واحد للمستقبل ويجب تقييم نموذج وطريقة العمل تحت ظروف متعددة وامكانية التكيف مع هذه الظروف وتأثير ذلك على استدامة العمل.
تعزيز الميزانية والوضع المالي
تعزيز الميزانية والوضع المالي للشركة من ناحيتي السيولة المالية وهيكلية الموازنة من خلال تقليص الديون وتصفيتها، وخلق طرق تمويل بديلة من خلال استغلال ظروف السوق المواتية قبل ان تتضاعف الأسعار خلال الازمات. وتعتبر السيولة المالية بمثابة شريان الحياة بالنسبة للشركات والاعمال كما ان مصادر التمويل الداخلي اضافة الى ذلك يعتبر الفريق الاداري الكفؤ المسؤول عن تنفيذ عملية التحول جزءا رئيسيا من عملية التحول وهو جانب يتم عادة التقليل من اهميته عند اجراء عمليات التحول. حيث يكون الاداريون عادة على درجة من الكفاءة لادارة اعمالهم اليومية خلال الاحوال العادية، بالاضافة إلى وضع وتنفيذ الاستراتيجيات. ولكن ان تحقيق عملية التحول التام يعني تغيير طريقة العمل واسلوبه وبالتالي تغيير الطاقم الاداري بشكل جذري، وفي الاوضاع المثالية فان المدراء القائمون على عملية التحول لديهم خبرات في امور الشركات المالية وتقنين التكاليف وتغيير الادارة وادارة العلاقات مع كافة اطراف العلاقة. بالاضافة إلى قدرتهم على احداث التغيير في الثقافة المؤسسية للشركة والتعامل مع العقليات الادارية التقليدية والسياسات الداخلية إلى جانب قدرتهم على تحفيز فريق العمل واحداث التغيير تحت اصعب الظروف وهذا ليس امرا سهلا.
وتتطلب عملية التحول تبني منهج شامل ومنظم خلال المراحل الاولى من ظهور بوادر الازمات الإقتصادية في الاقليم. ويجب ان يشمل على ابعاد استراتيجية وتشغيلية عملية ومالية كما يجب ان يتم وضعه بالتنسيق مع كافة اطراف العلاقة لتحقيق القبول اللازم داخل الشركة او المؤسسة، وبناء على ضرورة الحاجة لخطوة التحول فأنه يحتاج ما بين 6 إلى 10 اسابيع لوضع الصيغة النهائية للخطة ومن ثم تصل مدة تنفيذه إلى سنتين على الاكثر.