تفاعلت الأوساط المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير مع استقالة أحد أعضاء المجلس البلدي بمحافظة مسقط بعد حكم محكمة القضاء الإداري بعدم اختصاصها في الفصل في إيقاف مهرجان مسقط، في البداية أود أن أشير إلى أن حق الاستقالة من الحقوق الأصيلة لأي عضو منتخب في أي جهة، وهي حرية شخصية وحق قانوني، له أن يستخدمه في أي وقت شاء، إلا أن هذه الاستقالة وما وراءها تلقي بتبعات كثيرة حول كيفية التعاطي مع مثل هذه الأمور والهدف منها، وحتى لا ندخل في تفاصيل، ليس لها فائدة وتتحمل التأويل، سنركز اختلافنا من العضو المستقيل حول ثلاث نقاط رئيسية.
أولاأإن النهج المؤسسي للدولة العمانية أصبح شديد الوضوح فمنذ بداية النهضة المباركة، وهناك حرص شديد على تدعيم دولة المؤسسات، التي ترسخت وأصحبت مؤسسات الدولة واضحة الصلاحيات، صحيح أن من حق عضو المجلس البلدي أن ينتقد شيئا ما أو أن يرفضه ويطالب المسؤولين بتعديله أو إلغائه، ومن حقه أن يلجأ للقضاء كمؤسسة فاصلة في مثل تلك الحالات، حتى من حقه الاعتراض على الحكم القضائي عبر الوسائل المشروعة والقنوات القضائية السليمة، أما أن يعترض على الحكم القضائي بتقديم استقالته، فهذا من أكبر الأخطاء، لكونه عضوا منتخبا يشكل نموذجا وقدوة لمن انتخبوه، فكيف يرفض أحكام القضاء من انتخب لضمان الحرص على سيادة القانون، فكما يقول الأخوة القانونيون الحكم عنوان الحقيقة، ويتمتع القضاء في دولتنا والحمد لله بثقة الجميع، فكيف لعضو منتخب مسؤول أن يستقيل اعتراضا على حكم قضائي؟! فيجب أن يراعي كيف يعترض ومدى قانونية ذلك وأدبياته في الاعتراض هل للتخصيص أم للتعميم؟.
النقطة الثانية تتعلق بجوهر الطلب ذاته، واللهجة التي استخدمت في الطلب فطلب العضو وقف مهرجان مسقط يعطي إشارات سلبية، تضر بمكانة البلاد في المحافل الدولية، فدولة افتتح قائدها -أبقاه الله- دار الأوبرا التي عكست، روح النهضة العمانية، عبر التنوع الثقافي، وتسعى أجهزتها إلى إبراز دور السلطنة الثقافي، لدرجة جعلت العالم الإسلامي يحتفي بنزوى كعاصمة للثقافة الإسلامية، والعديد والعديد من المناشط الثقافية والتوجهات الحضارية لحضرة صاحب الجلالة -أعزه الله- ولحكومة البلاد، فلغة غلق مهرجان ثقافي وسياحي بحجم مهرجان مسقط يعيد البلاد لعقود الأبواب المغلقة الذي فتحها القائد والأب، أمام العمانيين لينهلوا من ثقافة الآخر، ويعرضوا ثقافتهم في كل محفل خارجي وداخلي، مع الالتزام بالثوابت الدينية لديننا السمح الوسطي، والاجتماعية للإرث العماني الثقافي، كما أن اللغة المستخدمة في حيثيات الطلب بغلق المهرجان، تحتوي على لغة يخشاها العالم، وأخشى أن يساء فهم قائلها، فعمان منفتحة على العالم ثقافيا وحضاريا دون إفراط أو تفريط. أما النقطة الثالثة فتتعلق بالجدوى الاقتصادية للمهرجان، حيث إن اختيار التوقيت في حد ذاته سيئ لأن البلاد تسعى بكل الطرق نحو التنوع الاقتصادي، الذي تشكل السياحة إحدى أهم مكوناته، ومهرجان مسقط حالة سنوية تستقطب مئات الآلاف من السائحين، ما يشكل إضافة جيدة للدخل الوطني، ويروج بشكل كبير للسياحة العمانية ككل،
بالإضافة أن المهرجان يفتح أبواب الرزق على مصراعيه لآلاف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، في كافة المجالات والقطاعات،سواء كانت تراثية أو صناعية، أو حتى تجارية، فالمهرجان يسهم في ترويج المنتج العماني دون صعوبة خصوصا في الأوساط الإقليمية، بجانب أن إغلاقه في هذا التوقيت سيعطي مؤشرات ليست بالجيدة عن وضع الاقتصاد العماني عالميا، ونحن نسعى بكل الطرق إلى التأكيد على حقائق عدة أبرزها أن الوضع الاقتصادي للبلاد مطمئن، وبه من المقومات الجاذبة للاستثمار الأجنبي. إن ما يثير الأسف في النفوس أن يطالب أعضاء بالمجلس البلدي بإيقاف مهرجان كمهرجان مسقط يقام سنويا وله صيت دولي كبير، ومن أفضل المهرجانات، تستمر دورته شهرا ويكمن دوره في إحياء التراث والموروثات والتواصل الحضاري وما تقوم به جهات في سنوات، ويعمق في نفوس الناشئة من أبنائنا من خلال الفعاليات المباشرة أو البث التلفزيون والإذاعي والإعلامي حبّهم لتراث وطنهم، ويربط الأجيال الحاضرة بالسابقة، ويظهر مكنونات هذا البلد العريق في التراث والتاريخ والحضارة، فكم هي الخسارة عندما يطالب أعضاء منتخبون في عاصمة البلاد بتجميد هذا المهرجان، لإضفاء المزيد من الأحزان. بدلا من نشر الفرحة والابتسامة في وجوه الناس، فاليوم مهرجان مسقط وغدا مهرجان صلالة وهكذا نعود للوراء في التحكم في الأهواء بواسطة البعض الذين لا يفقهون ماهية هذه المهرجانات ودورها الثقافي والحضاري والإنساني.