تحية لقرار وزارة الصحة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٢/أغسطس/٢٠١٨ ٠٢:٥٤ ص
تحية لقرار وزارة الصحة

علي بن راشد المطاعني

لقي قرار وزارة الصحة بإنهاء عمل طبيب الطوارئ الذي رفض الحضور لمستشفى السلطان قابوس بصلالة لمعالجة طفل يعاني من وجود جسم غريب في أذنه ترحيباً كبيراً في وسائل التواصل الاجتماعي وكل شرائح و فئات المجتمع، ذلك أن الواقعة تتنافى مع قواعد مهنة الطب باعتبارها إنسانية وسامية في المقام الأول وتتعارض مع نظم العمل الصحية المطبقة في البلاد.

فقرار بهذا الحزم في معالجة القصور يمثل نقلة نوعية ليس بالمؤسسات الصحية في البلاد وحسب بل في كل وحدات الدولة في مجابهة كل المقصرين عن القيام بواجباتهم الوظيفية وفي الالتزام بالأمانة المهنية والأخلاقية التي يحملونها، كما إنها تمثل رادعاً مستقبلياً قوياً لكل من يسيء لهذه الخدمات الجليلة.

فقرار وزارة الصحة الموقرة له العديد من الإيجابيات دون ريب لأنه سيضع حداً للكثير من الممارسات السلبية في المؤسسات الصحية في البلاد، فعلى الرغم من مجانية الخدمات الصحية وإتاحتها على مدار الساعة، إلا أن هناك من لا يقدر معنى حرص الدولة والوزارة على هذه الأريحية الصحية، فيأتي للأسف بتصرفات لا تنسجم مع هذا التوجه الإنساني النبيل ما يثير السخط على الخدمات وليس على التصرفات الشخصية من هذا الموظف أو ذاك، فالصحة هي من أهم اهتمامات الدولة التي تحرص على أن تقدمها للمواطن بنحو متكامل، فامتناع الطبيب عن علاج مريض، أو الكشف على مراجع بسبب عدم وجود ملف مثلاً، أو أن وقت صرف الدواء قد انتهى أو بسبب بطاقة شخصية، أو الدفع الإلكتروني للبطاقات الصحية وغيرها من صغائر الأمور التي تتعارض مع حقيقة أن المرض والآلام لا يعترفان بهذه الجزئيات، سلوكيات وتصرفات غير مسؤولة وتحتاج إلى المزيد من الضبط والتقنين حتى لا تسيء لهذه الخدمات وجهود الجهات المختصة على هذا النحو، و لعل اتخاذ هذا الإجراء من قبل وزارة الصحة بحق طبيب رفض الحضور لعلاج مريض واحد من الإجراءات التي ستتخذ، فلا يمكن أن تتحمل الوزارة تبعات هذه الممارسات الخاطئة التي يرتكبها عاملون لا يدركون فداحة أخطائهم.
فالطبيب الحق هو الذي يهرع لإنقاذ مريض أو محتاج لرعاية طبية طارئة حتى لو كان خارج ساعات عمله أو خارج نطاق المستشفى الذي يعمل به، ونشاهد في الأخبار والأفلام ومقاطع الفيديو فدائية الأطباء وهم ينقذون المرضى في مواقف حرجة معرضين أنفسهم لمخاطر قد تودي بحياتهم ولكنهم لا يبالون، تلك هي ضريبة هذه المهنة الإنسانية السامية، وتلك النماذج موجودة ومشاهدة في كل قارات العالم، في المقابل أن يكون الطبيب على رأس عمله أو مناوباً ويطلب من المريض أو أهله أن يراجع في الأيام القادمة، فمثل هذه النماذج لا يجب أن يطلق عليهم أطباء أصلاً، أو أن يتشرفوا بتقديم الخدمات العلاجية للمرضى.
كنت في إحدى مستشفيات تايلاند، سألت إحدى الممرضات المنهكات جراء العمل الدؤوب عن ساعات الدوام فردت بأريحية من السابعة صباحاً إلى الثامنة مساء أي ثلاث عشرة ساعة يوميا، ومع ذلك لا بد أن تجد هذه الممرضة أو تلك تقابلك بابتسامة تشع ضياء وتخدمك حتى تشعرك بالخجل من فيض الاهتمام والرعاية والتوجيه، لدرجة أن أحد المراجعين وصف هذا الاهتمام وتلك الرعاية بأنه علاج قبل أن تصل إلى الطبيب، لما تسهم مثل هذه الاهتمامات من تخفيف الآلام والأوجاع عن المرضى والمصابين ولما لها من أثر نفسي كبير، فمثل هذه الجوانب المشرقة تحتاج للمزيد من التعزيز في مستشفياتنا وإكساب العاملين في القطاعات الخدمية مهارات التعامل مع المرضى وتخفيف الآلام والأوجاع عنهم من خلال المزيد من التدريب والتأهيل في مجال خدمة المرضى.
نأمل أن تكون هذه الحادثة هي الأخيرة في مستشفياتنا باعتبار أن الدرس كان واضحاً، وأن العبرة قد وصلت مداها، وليعود من بعد ذلك لمهنة الطب صيتها الأروع.