حــنان الحــروب..

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٦/مارس/٢٠١٦ ٠١:٢٦ ص
حــنان الحــروب..

لميس ضيف
lameesdhaif@gmail.com

لم تظهر في برنامج «ستار أكاديمي»، وليست بممثلة ولا فاشنستا ولا نجمة انستغرام، لذا لم تسمعوا بها على الأرجح رغم منجزها المبهر. إنها المدرّسة الفلسطينية حنان الحروب التي فازت هذا العام بجائزة أفضل مدرّس في العالم التي نظمتها مؤسسة «فاركي فاونديشن» البريطانية وقيمتها مليون دولار، وقد فازت بهذا الجائزة متقدمة بذلك على 8000 متنافس من 148 دولة في العالم.

فمن هي حنان الحروب يا ترى؟
هي امرأة ترعرعت في مخيم الدهيشة للاجئين في مدينة بيت لحم، كطفلة صغيرة – مثلها مثل قوافل الفلسطينيين المحاصرين في قفص كبير قضبانه الاحتلال – فتحت عيناها على الحرمان والرعب والخوف وعرفت كم تدمر المرء وتقضي على رغبته في العلم والحياة.. ولا يمكننا للأمانة تخيل مشاعر الغضب والقلق التي تسيطر على الكبار في بؤر الحرب والصراع فما بالكم بالصغار الذين تتضخم في نفوسهم المشاعر ! عجبا كيف تستوعب طفولتهم صوت الرصاص ورائحة الموت ومناظر الجثث !! لا شك أن الحياة في فلسطين هي أطول فيلم رعب عرفه العالم ونسأل الله لهم النصر والمدد..
حنان هي ســـليلة تلك البيئة ولكنها تحدتها ودرست حتى أصبحت معلمة في مدرسة رام الله الابتدائية التي يرتادها سكنة المخيمات.
ما الذي أهّل حنان للفوز إذن دونا عن باقي زملائها؟
حسنا، تعلمت المعلمة حنان من تجارب طفولتها كم يغتال الخوف الطفولة، لذا عملت على مساعدة تلامذتها على التعايش مع الذعر والهلع والظروف الصعبة. وطورت قدرتها على التعامل مع المشكلات النفسية حتى أصبحت مؤهلة لمساعدة الأطفال على التعامل مع الصدمات وفقدان الوالدين والتشرد، آمنت حنان بأن الأطفال في هذه البقعة الملغمة بالآلام يحتاجون آليات للتعامل مع واقعهم أكثر مما هم بحاجة لتلقينهم العلوم فأعطت نفســـها هذه المهمة.
إنه وعي استثنائي بدور المدرّس كمربٍّ ومنقذ لتلاميذه. فالمدرس الحقيقي إنسان حقيقي، يدرس أوضاع تلامذته ويميز خصوصيتهم، ويفتح لهم قلبه ليفتحوا له عقولهم ويمنحوه ثقتهم.. لا يتطلب هذا وقتا كثيرا كما تظنون ولكنه يتطلب قلبا كبيرا.. ولأن الإعلام لم يمنح حنان إلا بضعة أسطر في خبر خاطف لم يتسنّ لنا معرفة ما الذي جعل اللجنة العالمية تمنحها دون غيرها هذا الشرف رغم وجود آلاف المدرسين المتفانين حول العالم، ولكن حسبها أنها «وإن لم تنل الاستقبال الملكي الذي يُستقبل به الفنانون ولا الاهتمام الإعلامي الذي تناله مباريات كرة القدم» إلا أن بابا الفاتيكان فرانسيس هو من أعلن عن جائزتها برسالة فيديو تزامنت مع رسالة تهنئة أخرى خص بها الأمير البريطاني وليام حنان.
وقالت الحروب في كلمتها بعد الإعلان عن فوزها: «نريد لأطفالنا العيش بحرية وسلام كباقي أطفال العالم»، داعية لأن يكون هذا العام عام المعلم الفلسطيني.
حنان هذه نموذج للمرأة العربية الحقيقية، نموذج ناطق لسان حاله أننا وإن كنا مستهدفين في مقدراتنا ومقدساتنا ومحاربون بالتجهيل إلا أننا قادرون على اختراق عزلتنا بجدنا وإنسانيتنا. فتحية لفلسطين وأهلها ولكل معلم يرى التعليم أكبر من كتاب ومنهج.