أشرعة ترامب المهترئة

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٩/أغسطس/٢٠١٨ ٠٤:٠١ ص
أشرعة ترامب المهترئة

إليزابيث دور

بينما بدأت الأسبوع الفائت في فيرجينيا أول محاكمة جنائية لشخصية رئيسية في حملة الرئيس الامريكي دونالد ترامب لسنة 2016، تساءل المراقبون ما اذا كانت المحاكمة لا تعتبر محاكمة لبول مانافورت مدير حملة ترامب لفترة حاسمة فحسب، بل لترامب نفسه ايضاً.
تم توجيه تهم لمانافورت بسبب ارتكابه لجرائم مالية مزعومة تشمل الاحتيال الضريبي وغسيل الأموال وتقديم بيانات خاطئة للمحققين. لقد جنى مانافورت الملايين من الدولارات بالعمل مع قادة سلطويين وبلطجية حول العالم بما في ذلك فرديناند ماركوس في الفلبين وجوناس سافيمبي في انجولا وفي العقود الأخيرة جنى معظم ثروته بالعمل مع الاوليجاركيين الروس والرئيس الأسبق لأوكرانيا المدعوم من روسيا فيكتور يانكوفيتش.
بعد أن تمكن مانافورت واتباعه من مساعدة يانكوفيتش على هزيمة رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو في الانتخابات الرئاسية سنة 2010، قام يانكوفتش بسجنها على أساس تهم ملفقة بمساعدة إيجاز قانوني والذي تم إعداده بطلب من مانافورت من قبل شركة المحاماة الأمريكية المعروفة سكادن اربس. لقد تم التعامل مع هذه القضية من قبل أحد شركاء مكتب المحاماة وهو غريغوري ب كريغ والذي عمل لفترة وجيزة كمستشار في البيت الأبيض إبان فترة الرئيس باراك أوباما. لقد أحال المستشار الأمريكي الخاص روبرت مولر دور كريج إلى النائب العام الأمريكي للمنطقة الجنوبية من نيويورك لإجراء المزيد من التحقيقات. لقد تمت الإطاحة بيانكوفتش من قبل ثورة شعبية سنة 2014 حيث هرب إلى روسيا.
بدأ ممثلو الادعاء في فريق مولر في قضية فرجينيا المحاكمة بوصف حياة البذخ والترف التي كان يعيشها مانافورت بما في ذلك جاكيت من جلد النعام مصنوع خصيصا له بقيمة 15 ألف دولار كما دفع حوالي 20 ألف دولار أمريكي مقابل جاكيت مصنوع من جلد ثعبان الأصلي ولكن الجاكيت المصنوع من جلد النعامة مع البطانة المصنوعة من الساتان الأبيض هو الذي أشعل الرأي العام.
لقد احتفظ مانافورت كذلك بعدة منازل باهظة الثمن في شمال فيرجينيا وبروكلين وهامبتونز وبالم بيتش جاردنز وبالطبع في برج ترامب وبينما لم يسمح القاضي أن تظهر صور كل هذه العظمة في غرفة المحكمة – مبررا ذلك ولدية بعض الحق بإن الغرض من التركيز عليها هو احراج المدعى عليه – إلا أن النقطة المتعلقة بجشع مانافورت وولعة بالتفاخر قد ظهرت جلياً.
لكن الهدف الحقيقي لممثلي الادعاء هو إظهار أن مانافورت قد دفع مقابل تلك الأشياء- حوالي مليون دولار كتكلفة بدل من أغلى الخياطين في العالم وسجادات تراثية باهظة الثمن ومصابيح ومعدات إلكترونية –من خلال تحويلات برقية من حسابات اوفشور مصرفية مثل حساب في قبرص. لقد ذكر مورد واحد على اقل تقدير بان مانافورت كان الزبون الوحيد الذي كان يتصرف بهذه الطريقة.
حاول محامو مانافورت والذين يبدو أن موقفهم كان ضعيفاً إلقاء اللوم بالنسبة للمعاملات المشبوهة على نائبة منذ فترة طويلة ريك جيتس والذي اختار بعد توجيه التهم له التعاون مع مولر ولكن هذا الدفاع –الذي يعادل عند البالغين تبريرات الأطفال بأن الكلب قد أكل واجباتي المدرسية "- لم يصمد طويلاً فلقد شهد محاسب سابق عند مانافورت بأنه شارك شخصياً في تلك التعاملات كما شهد محاسب آخر بأن مانافورت نفسه قد قام بتعديل بياناته الضريبية وأشار إلى الدخل على أنه قروض (مما وفر عليه مبلغ 500000 دولار أمريكي سنوياً) كما فشل في اطلاع المحاسبين على حسابات الاوفشور العائدة له. إن من المتوقع أن يشهد جيتس هذا الأسبوع.
عندما بدأ مانافورت بالعمل ضمن حملة ترامب في أواخر مارس من سنة 2016، كل شيء بدا طبيعيا. لقد عمل مانافورت مع مرشحين جمهوريين سابقين مثل روبرت دول وجيرالد فورد ورونالد ريجان والاهم من ذلك بدا وكأنه الناشط الجمهوري التقليدي الوحيد الذي يرغب بالعمل مع ذلك المرشح كما كان شريكاً تجارياً سابقاً مع الناشط الجمهوري روجر ستون والذي ما يزال مقربا من ترامب (لقد بدأ مولر بالتركيز الآن على ستون).
لكن حملة ترامب كانت أقل جدية في التحقق من شخصية رئيسها الجديد مقارنة بمعظم الناس عندما يقومون بتعيين عامل نظافة في بيوتهم. لقد عرض مانافورت العمل لدى ترامب بالمجان – لقد سعى بقوة للوظيفة- ولكن تبين انه كان يعاني من الإفلاس في ذلك الوقت.
ربما هناك تفسير واحد فقط وهو أن العلاقة مع ترامب قد تصبح مربحة للغاية حيث إن مانافورت لن يتمكن من اجتذاب زبائن مستقبليين فحسب بل قد يتمكن من مساعدة نفسه كذلك مع داعمية السابقين من الروس الأثرياء- معظمهم لديهم روابط وثيقة مع الكرملين – وذلك من خلال الحملة نفسها. عندما تولى مانافورت مهام منصبه كان مدينا بمبلغ 19 مليون دولار أمريكي للاوليجاركي الروسي اوليج ديريباسكا وهو أحد ملوك الألومنيوم ومن المقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. إن ديريباسكا والذي يخضع للعقوبات الأمريكية قد احتفظ بالسابق بعقد سنوي بقيمة 10 ملايين دولار أمريكي مع مانافورت.
مثل غيره من الاوليجاركيين الروس فإنه لا يعرف عن ديريباسكا انه يتعامل بشكل لطيف مع أولئك الذين يزعجونه وبعد أن تولى مانافورت مهام منصبه، أرسل رسالة بالبريد الإلكتروني إلى موظف في أوكرانيا قائلا: "كيف يمكن أن نستخدم ذلك في إصلاح الوضع؟ كما عرض مانافورت أن يقدم إيجازاً لديريباسكا عن ما الذي كان يجري في حملة ترامب.
لقد كان دور مانافورت في الحملة هو مساعدة ترامب على حسم الترشيح وإدارة مؤتمر الحزب الجمهوري والذي سيتم فيه الإعلان رسمياً عن فوز ترامب. إن أحد الأمور التي يتم التحقيق بشأنها هو دور حملة ترامب في التحقق من أن المنصة الجمهورية لا تحتوي على أي دعم لتوريدات السلاح لأوكرانيا – والتي كانت تحظى بدعم الحزب الجمهوري بشكل عام والتي عارضتها روسيا بالطبع.
لقد تم إجبار مانافورت على ترك حملة ترامب في أغسطس 2016 وعند تلك النقطة كانت علاقته مع ترامب قد تدهورت (كما هو الحال مع معظم علاقات ترامب من خارج العائلة) وكانت استطلاعات الرأي معادية لترامب مع فوضى داخلية كما أشارت تقارير صحفية عن دفعات خارج دفاتر الحسابات إلى مانافورت من قبل اوكرانيين مؤيدين لروسيا.
بينما محاكمة مانافورت –وهي الأولى من بين محاكمتين – لا تشير بشكل مباشر إلى ترامب (على الاقل حتى الآن)، فإن من المعروف انها من الأشياء التي تثير حنق ترامب والذي بدا اكثر ارتباكا واقل توازنا مؤخرا علما أن هذه المحاكمة قد عززت من شعور ترامب من ان مولر يقترب منه. ان تقرير مولر عن محاولات ترامب إعاقة التحقيقات من المتوقع أن يصدر قريبا علما أن توقيت نشر ذلك التقرير يهدف الى أن يكون ذلك قبل موعد انتخابات التجديد النصفي الأمريكية بوقت كاف حيث يريد مولر أن يتجنب أي تصور بوجود تدخلات سياسية مثل تلك التي أوجدها مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية الأسبق جيمس كومي والذي ينظر اليه على نطاق واسع بأنه اضر بحملة الانتخابات الرئاسية لهيلاري كلينتون سنة 2016.
بالأحوال الطبيعية فإن أي سياسي أمريكي سيتعرض للمتاعب والمشاكل بسبب تعيينه لشخص مخترق مثل مانافورت. إن فضيحة ترامب-روسيا الحالية تعد من بين اشهر الفضائح – بما في ذلك قضية تيبوت دوم في العشرينيات من القرن الفائت وانهيار شركة الطاقة العملاقة ايرنون في أوائل العقد الفائت وفي الآونة الأخيرة مخطط بونزي الاحتيالي في وال ستريت لبيرني مادوف –وأكثرها خطراً وذلك لأنها تضم قوة معادية.
لكن الظروف الحالية لا تعتبر طبيعية وحتى الآن يتحدث ترامب وكأنه بالكاد يعرف مانافورت ولكن وبينما تستمر محاكمة مانافورت فإن من شبه المؤكد أن يضطر ترامب لتغيير قصته.

محررة مشاركة في ذا نيو ريبابلك وكتبت مؤخراً (مجلة واشنطن الدورية: تغطية واترجيت وسقوط ريتشارد نيكسون).