النمو الأمريكي في الأمد البعيد

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٩/أغسطس/٢٠١٨ ٠٤:٠٠ ص
النمو الأمريكي في الأمد البعيد

كينيث روجوف

على فترات منتظمة، ينسب الرئيس دونالد ترامب بكل غطرسة الفضل لنفسه عن كل ارتفاع جديد يسجله الاقتصاد الأمريكي السريع النمو. ولكن عندما يتعلق الأمر بالأداء الاقتصادي، تكون قدرة رؤساء الولايات المتحدة على التأثير على الاتجاهات الطويلة الأجل أكبر كثيرا من قدرتهم على التأثير على التقلبات القصيرة الأجل.
من المؤكد أن التخفيضات الضريبية وزيادات الإنفاق التي أقرها ترامب وفرت بعض التحفيز الإضافي القصير الأمد. ويبدو أن هذا كان أيضا نفس التأثير الذي خلفه المشترون الأجانب لمنتجات الولايات المتحدة، مثل فول الصويا، والذين يهرعون للتخزين الآن قبل أن تحتدم حرب الرسوم الجمركية بشكل كامل. ومع ذلك، ليس من السهل تسريع اقتصاد بقيمة 20 تريليون دولار، حتى وإن كان ذلك من خلال إدارة عجز في الموازنة يقرب من تريليون دولار، كما تفعل إدارة ترامب الآن. والواقع أن التقلبات القصيرة الأجل في المخزونات لدى الشركات تسببت في تقييد النمو بقدر ما ساعدت عوامل أخرى في دعمه بشكل مؤقت.
في بيئة سياسية معادية، ليس من السهل التفكير في الأمد البعيد. ولكن بفضل سحر المصلحة المركبة، تشكل التدابير التي تعمل على زيادة النمو الطويل الأجل هامشيا أهمية بالغة. على سبيل المثال، عملت سياسات تحرير النقل التي أقرتها إدارة الرئيس جيمي كارتر في أواخر سبعينيات القرن العشرين على تمهيد الطريق لاندلاع ثورة تجارة التجزئة على الإنترنت. كما ساعدت التخفيضات الضريبية الهائلة التي أقرها الرئيس رونالد ريجان في الثمانينيات على استعادة النمو في الولايات المتحدة في العقود التالية (لكنها أدت أيضا إلى تفاقم اتجاهات التفاوت بين الناس). كما عملت الجهود التي بذلها الرئيس باراك أوباما (ومن قبله الرئيس جورج دبليو بوش) لاحتواء الضرر الناجم عن أزمة 2008 المالية على إرساء الأساس للاقتصاد القوي الذي يريد ترامب أن ينسب إلى نفسه الفضل كله عنه.
ولكن كيف قد يكون التأثير التراكمي الذي تخلفه سياسات ترامب الاقتصادية على الاقتصاد بعد عشر سنوات من الآن؟ بعيدا عن الضجيج السياسي، لا يمكن الجزم بذلك بعد.
لنبدأ بالجانب الإيجابي المحتمل من دفتر الحسابات. كان إصلاح ضريبة الشركات في نهاية عام 2017 واحدا من تلك الحالات النادرة حيث أقر الكونجرس الأمريكي تبسيطا وتحسينا شاملا للنظام الضريبي المعقد في الولايات المتحدة، وإن كان من الواجب تحديد معدل الضريبة على الشركات عند 25% وليس 21%.
ربما كان أوباما ليشعر بسعادة غامرة لو نجح في إقرار مشروع قانون مماثل. ولكن خلال فترة رئاسته، أصر الكونجرس الذي سيطر عليه الجمهوريون على أن يكون أي اقتراح "محايدا للدخل" حتى في الأمد القريب، وهو ما يشكل عقبة سياسية صعبة لأي إصلاح ضريبي أساسي. ولعل الجهود التي يبذلها ترامب لتقليص الضوابط التنظيمية، وخاصة تلك المفروضة على الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، تُعَد أيضا إضافة إلى النمو في الأمد البعيد، على النحو الذي يعكس بعض التجاوزات التي حدثت تدريجيا في نهاية ولاية أوباما (وإن كان ترامب يتخلص من الضوابط التنظيمية الجيدة مع تلك السيئة).
وربما تكون جهود إعادة تدريب العمال وتحسين التدريب المهني على مستوى المدارس الثانوية من المناطق غير الملحوظة حيث يبدو أن إدارة ترامب تجرب فِكراً جديداً. من حيث المبدأ، تسمح التكنولوجيا والبيانات الضخمة للحكومة الفيدرالية بالمساعدة في توفير معلومات أفضل للآباء والعمال حول المهارات المطلوبة والمواقع الجغرافية للوظائف.
وتتولى ابنة الرئيس، إيفانكا ترامب، قيادة هذه الجهود. ورغم سهولة الاستهزاء بهذه الجهود (يزعم بعض المراقبين أن البرنامج الجديد مجرد ذريعة لخفض الأموال المخصصة لبرامج إعادة التدريب الحالية)، فإنها فكرة طيبة أن يجري استغلال المنصات الرقمية لإدخال تحسينات هائلة على جهود إعادة التعليم والتدريب.
ولكن في حين عملت إدارة ترامب على تعزيز إمكانات نمو الاقتصاد الأمريكي في الأمد البعيد من بعض النواحي، فإن الجانب الآخر من دفتر الحساب كئيب ومروع. فبادئ ذي بدء، تشير مجموعة واسعة من الدراسات ــ من أعمال الاقتصادي الراحل ديفيد لاندز إلى أبحاث أحدث عهدا أجراها دارون أسيموجلو من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجيمس روبنسون من جامعة شيكاغو ــ إلى أن المؤسسات والثقافة السياسية تشكل العنصر الأكثر أهمية في تحديد هيئة النمو في الأمد البعيد. ومن الواضح أن التعافي من الضرر الذي يلحقه ترمب بالمؤسسات والثقافة السياسية في الولايات المتحدة ربما يستغرق سنوات؛ وإذا كان الأمر كذلك، فقد تكون التكلفة الاقتصادية ضخمة.
فضلا عن ذلك، وبما يتفق مع ازدراء الإدارة الأمريكية للعِلم، شهدت الميزانيات المقترحة للبحوث الأساسية، بما في ذلك المخصصة للمعاهد الوطنية للصحة ومؤسسة العلوم الوطنية، تخفيضا حادا (من حسن الحظ أن الكونجرس الأمريكي رفض التخفيضات). أما إنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار، اللازمة لمحاربة قوة الاحتكار المفرطة في العديد من أجزاء الاقتصاد، فكانت في سُبات في الأساس. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم التفاوت بين الناس في الأمد البعيد؛ في حين لن تكون مناجم الفحم والرسوم التجارية التي فرضها ترامب أكثر من مجرد ضمادة إسعافات أولية على جرح ناتج عن طلق ناري.
أخيرا وليس آخرا، لابد من تعزيز، وليس إزالة، العديد من الضوابط التنظيمية التي يستهدفها ترامب. فمن الصعب أن نتخيل أن تقويض هيئة حماية البيئة والانسحاب من اتفاق باريس للمناخ سلوك مفيد للنمو في الأمد البعيد، لأن تكاليف تنظيف التلوث في وقت لاحق تتجاوز كثيرا تكاليف تخفيفه اليوم.
أما عن الضوابط التنظيمية المالية، فإن الكم الكبير من القواعد الجديد التي جرى تبنيها بعد الأزمة المالية في العام 2008 كانت بمثابة حلم تحقق للمحامين. فبدلا من محاولة إدارة الأعمال المصرفية على المستوى المتناهي الصِغَر، من الأفضل كثيرا ضمان مشاركة حاملي الأسهم في تحمل الخسارة، بحث تصبح البنوك الضخمة أكثر ميلا إلى تجنب المجازفة المفرطة. من ناحية أخرى، لابد أن ندرك أن تحييد التشريعات القائمة دون وضع أي شيء مناسب في مكانها يمهد الساحة لأزمة مالية أخرى.
لذا، فعلى الرغم من النمو السريع الذي يشهده الاقتصاد الأمريكي حاليا، فإن المدى الكامل لإرث ترمب الاقتصادي قد لا يكون ملموسا قبل مرور عشر سنوات أو أكثر. وفي هذه الأثناء، إذا حدثت دورة انكماش فلن يكون ذلك نتيجة لخطأ ترامب ــ على الأقل وفقا لرؤية ترامب، الذي يستعد بالفعل لإلقاء اللوم على بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بسبب رفع أسعار الفائدة وتدمير كل عمله الطيب.

كبير خبراء الاقتصاد الأسبق في صندوق النقد الدولي، وأستاذ الاقتصاد والسياسة العامة في جامعة هارفارد.