فريد أحمد حسن
يتفق المتابعون للحرب الدائرة في اليمن منذ نحو عام بين قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية تحت عنوان "عاصفة الحزم" وقوات الحوثيين والرئيس السابق لليمن علي عبد الله صالح ، يتفقون على أن من الحكمة أن يستفيد كل الأطراف ذات العلاقة بهذه المشكلة - التي تزداد تعقيدا يوما بعد يوم بسبب رائحة الدم التي صارت تملأ كل الأمكنة –من المساحة الدبلوماسية التي تتيحها سلطنة عمان لهم في هذا الظرف الصعب، خصوصا وأن استمرار النزاع لا يصب في صالح أي طرف من هذه الأطراف ولا ينتج إلا المزيد من الآلام ويزيد مستقبل المنطقة غموضا بل ويوفر مزيدا من الفرص للمتطرفين فتزداد القاعدة نموا وتحصل "داعش" على ما يسهل لها طريق التوغل في كامل المنطقة .
خلال الأسبوعين الفائتين انتشرت أخبار ملخصها أن جرعة التحرك الدبلوماسي العماني قد ازدادت وأن هذا التحرك بدأ يعطي بعض الثمار تمثلت في تسرب أخبار عن لقاءات سرية تمت بين الحوثيين والسعودية تلاها لقاء شبه معلن حضره ممثل الحوثيين محمد عبد السلام ومسئولون سعوديون في الرياض بغية وضع حد لهذه الحرب التي تضرر منها الجميع . ورغم أن عبارات مثل "ما يتم تداوله من أخبار في هذا الخصوص غير دقيق"صار يختم بها كل حديث في هذا الموضوع إلا أن عدم نفي المسئولين في البلدين وخصوصا السعودية لحصول مفاوضات بين الجانبين يعين على الاستنتاج بأن الأخبار التي انتشرت في هذا الخصوص صحيحة وإن ظلت تفاصيلها طي الكتمان .
وبعيدا عن الحديث غير المجدي عن أي الطرفين لبى رغبة الآخر لعقد مثل هذه اللقاءات فإن الواضح هو أن العزم على إنهاء الحرب والاستفادة من الحكمة العمانية هما المسيطران اليوم وأنه لهذا جرى لقاء يمني سعودي في منطقة حدودية بين البلدين برعاية عمانية ، كما يرد في الأخبار . أما من تابع التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الألماني فرانك شتاينماير والوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي في مسقط الأسبوع الفائت فإنه لا يتردد عن الانحياز إلى القول بأن مثل ذلك اللقاء بين السعوديين واليمنيين قد تم وأنه متواصل ويبشر بخير.
الوزير الألماني "حذر من أن تصل الحرب إلى مرحلة جمود ومن أن تجد المزيد من العناصر المتطرفة طريقها إلى هناك"وأشاد بدور الوساطة الذي تلعبه سلطنة عمان لحل النزاع اليمني ودعا إلى بذل المزيد من الجهود للتوصل إلى حل سياسي ، وقوله "ربما من المبكر القول إن الطريق إلى سويسرا مفتوح مجددا لكن الدلائل التي تنم عن إمكانية تحقيق ذلك في تزايد" ، قول كله تفاؤلولا يمكن أن يصدر عن دبلوماسي إلا إن لمس ما يؤيده من معطيات على أرض الواقع .
أما وزير الخارجية يوسف بن علوي فعزز ما قاله الوزير الألماني بإعرابه عن تفاؤله إزاء "إمكانية أن تؤدي المحادثات إلى انفراجة في الأزمة اليمنية"، وكذلك قوله "نرى فرصا جيدة تتيح توصل أطراف النزاع إلى اتفاق" وقوله " الجميع يستشعر الآن أن اليمن بحاجة إلى السلام وإعادة الإعمار" ، فهذه التصريحات تعين على القول بأن أمرا كبيرا قد تم ولا يزال فيما يخص إنهاء هذه الأزمة ، كما أن المتابعين لا يترددون عن القول بأن خروج السلطنة عن صمتها وبدء الحديث في هذا الشأن في العلن لا يمكن أن يحدث لولا أنها لمست نتائج طيبة لمجهودها الذي ظلت تبذله طوال الفترة الفائتة ، أي أنه لولا أن أمرا ما قد تبلورلما صرح وزير الخارجية بهذه التصريحات ولغلف عباراته كما جرت العادة أو آثر الصمت .
يعزز كل هذا ما كشفه الحوثيون عن لقاءات تمت بينهم وبين مسئولين سعوديين وأن محمد عبد السلام هو الذي قاد وفدهم ، أكد هذا أيضا دبلوماسيون إقليميون آثروا عدم التصريح بأسمائهم واستدلوا على ذلك بملاحظتهم تراجع الغارات الجوية على العاصمة صنعاء وانحسار الاشتباكات على الحدود اليمنية السعودية ، بينما كشف مصدر يمني أن تبادلا للأسرى قد تم قبل أيام بين السعودية واليمن
ليس مهما في هذه المرحلة الاتفاق على كل شيء ، يكفي الخروج بقرار يقضي بوقف الحرب وإعطاء الفرصة للعقل كي يدير العملية برمتها ، فالدبلوماسية العمانية قادرة على توصيل الأطراف ذات العلاقة إلى اتفاقات تفصيلية لن تكون صعبة لو سكتت المدافع .
نجاح السلطنة في هذا الدور الذي آلت على نفسها القيام به فيما يخص المشكلة اليمنية يتبين يوما بعد يوم ، وبسبب ما تمت الإشارة إليه هنا ولأسباب أخرى يعلمها القريبون من دوائر صنع القرار ويعملون على تسريبها كلما دعت الحاجة إلى ذلك لا يتردد المتفائلون عن القول بأن الوقت لن يطول حتى يتم الإعلان عن التوصل إلى اتفاق نهائي بين مختلف الأطراف ذات العلاقة يتسبب في إعادة الاستقرار إلى المنطقة ، كما أن هذا النجاح الذي تحرص السلطنة على تحقيقه والذي من شأنه أن يعزز نجاحها في إغلاق ملف النووي الإيراني والتوصل إلى حل نهائي بين إيران والغرب والولايات المتحدة سيبشر بإمكانية التوصل إلى حلول لمشاكل أخرى تعاني منها دول المنطقة ودول التعاون الخليجي على وجه الخصوص .
قول وزير الخارجية يوسف بن علوي بأن "الجميع يستشعر الآن أن اليمن بحاجة إلى السلام وإعادة الإعمار" يتضمن ملخصا لكل الجهد الذيتم خلال الفترة الفائتة ، ولعله إعلان عن أن الحرب في اليمن في محطتها الأخيرة .
• كاتب بحريني