ثروات النافذين

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٥/أغسطس/٢٠١٨ ٠٣:١٠ ص
ثروات النافذين

فلاديسلاف إينوزيمتسيف

في ظل قلق متنام في الولايات المتحدة وأوروبا من ما يسمى بالقلة المنتفعة الحاكمة (الأوليجاركية) في روسيا والأموال التي أخفتها في الخارج، يجدر بنا أن ننظر في مسألتين أساسيتين. الأولى: من الذي تنطبق عليه مواصفات الأوليجاركي؟ والثانية: هل يستحق كل أوليجاركي أن يُنظر إليه بعين الريبة؟
بالنسبة للولايات المتحدة، يمثل الارتياب قطعا القاعدة والأساس، حيث أعلنت سلطاتها عقوبات ثقيلة ضد اثنين من أباطرة المال والأعمال الروس، وهما أوليج ديريباسكا وفيكتور فيكسلبيرج، كجزء من حملة لمعاقبة الكرملين على تدخله المزعوم في الانتخابات الرئاسية العام 2016. كذلك نفذت بريطانيا، في أعقاب الهجوم بغاز الأعصاب على العميل المزدوج الروسي السابق سيرجي سكريبال وابنته في إنجلترا، إجراءات جديدة تهدف إلى منع غسل الأموال، بإخضاع تدفقات رؤوس الأموال القادمة من روسيا لأشد أشكال التدقيق والمراقبة.
وتكمن المشكلة الأساسية في بقاء المعايير التي تستخدمها الحكومات الغربية لتحديد الروس المستوجبين للتحقيق، بل والعقوبة، فضفاضة للغاية. وبحسب أكثر التعريفات شيوعا، يُعرّف الأوليجاركي بأنه شخص تعتمد ثروته على الاتصالات والعلاقات السياسية ــ لا سيما بالرئيس الروسي فلاديمير بوتن. وقد حددت وزارة الخزانة الأميركية 96 شخصا على أنهم "أوليجاركيون" وأدرجتهم على لائحتها المسماة بلائحة بوتن ــ وهي قائمة عقوبات ومراقبة وُضعت في يناير الفائت ــ بناء فقط على حقيقة امتلاكهم أكثر من مليار دولار أميركي.
لكن حتى التركيز على العلاقات مع بوتن يعد في الحقيقة معيارا ناقصا ومعيبا. فرغم كل شيء، نجد أن كثيرا من رجال الأعمال الأثرياء المعروفين اليوم في روسيا، بما فيهم ديريباسكا (الذي تفرض الولايات المتحدة عقوبات ضده) ورومان أبراموفيتش (الذي حمته إسرائيل)، إضافة إلى ميخائيل فريدمان مؤسس مجموعة ألفا، وفلاديمير بوتانين الرئيس التنفيذي لشركة نوريلسك للنيكل، قد بدأوا نشاطهم في عهد بوريس يلتسن، سلف بوتن.
فضلا عن ذلك، فإن بعض الأثرياء الروس الذين استفادوا من علاقاتهم بالكرملين في الماضي هربوا بالفعل من روسيا، ويباشرون الآن أعمالهم في الغرب أو يعيشون هناك في المنفى. فقد منحت بريطانيا حق اللجوء السياسي لرئيس بنك موسكو الأسبق أندريه بورودين. أما يفجيني شيشفاركين، وهو مستثمر كبير سابق في مجال الهواتف المحمولة، فقد شارك بنشاط في حملات ضد بوتن منذ هروبه من روسيا العام 2009. كما قضى ميخائيل خودوركوفسكي، والذي كان ذات يوم أغنى رجل في روسيا، عشرة أعوام في السجن بتهم احتيال واختلاس ملفقة بعد إقدامه على تمويل خصوم بوتن.
بالنظر في هذه الحالات، نجد أن الغرب بحاجة لتعريف أكثر تدرجا بحيث يميز الأوليجاركيين "الفاسدين" من البقية. وينبغي أن يشمل مثل هذا التعريف، أولا وقبل كل شيء، التورط المباشر والحالي مع قيادات الكرملين في الصفقات التجارية والشخصية، بما في ذلك العقود الحكومية الضخمة الحساسة سياسيا. فهناك مثلا أركادي روتنبيرج، الملياردير صاحب النفوذ الذي أنشأ خطوط أنابيب غاز لصالح شركة الطاقة العملاقة المملوكة للدولة غازبروم، ويقوم حاليا ببناء جسر لشبه جزيرة القرم.
ويمكن إدراج محاباة الأقارب تحت مثل هذا التورط المريب. ففي تسعينيات القرن الفائت، اعتمد بيوتر أفين، أحد كبار المسؤولين بمجموعة ألفا، صفقات تجارية مثيرة للجدال عقدها بوتن في سان بطرسبورج عندما كان يشغل منصب وزير الشؤون الاقتصادية الخارجية، كما قامت مجموعة ألفا بتوظيف كل من زوج ابنة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف والابنة الكبرى لبوتن نفسه. في مثل هذه الحالات، يعمل الأوليجاركيون المتورطون هنا كمخلصين لنظام بوتن بشكل واضح.
وينبغي أن يكون هناك معيار ثان لتعريف الأوليجاركي "الفاسد"، وهو أن تكون روسيا مقرا للجزء الأكبر من تعاملاته التجارية، وبالتالي فهو يعتمد على دعم حكومي ضمني على الأقل. ويعني هذا إمكانية استثناء الكثير من الأثرياء الروس، الذين باعوا في السنوات الأخيرة أجزاء من ممتلكاتهم وحصصهم في روسيا واستثمروا في الدول الغربية (ربما بسبب العقوبات، ولو جزئيا على الأقل).
من هؤلاء على سبيل المثال أبراموفيتشن وهو حاكم سابق لإقليم تشوكوتكا الواقع في القطب الشمالي، أو ميخائيل بروخوروف، الذي خاض الانتخابات الرئاسية الروسية العام 2012 كمرشح مستقل، أو ألكسندر ليبيديف، الذي اعتاد دعم صحيفة نوفايا جازيتا ماليا لفترة طويلة. كل هؤلاء باعوا تقريبا جميع الأصول التي كانوا يمتلكونها في روسيا، وسعوا لتأسيس شركات على أساس قانوني وشفاف في الولايات المتحدة وبريطانيا. ألا ينبغي أن يعامل هؤلاء بطريقة مختلفة عن أمثال روتنبيرج، ويوري كوفالتشوك (المعروف ببنك بوتن الشخصي)، أو إيجور سيتشن، النائب الفعلي لبوتن، ناهيك عن موظفي روسيا العموميين فاحشي الثراء؟
لا شك أن كل شخص جمع ثروة كبرى في روسيا فعل ذلك بالتعاون مع الدولة، ولو جزئيا على الأقل. لكن هذا لا يعني أنهم جميعا يستحقون اليوم عقابا متساويا. فقد كان كل من يواكيم نابليون مورات و جان-بابتيست برنادوت أداتين طيعتين في يد نابليون. لكن بينما التزم مورات بمؤازرة نابليون والوقوف بجانبه (رغم إعدامه في النهاية بتهمة الخيانة)، لعب برنادوت، بصفته كارل الرابع عشر يوهان ملك السويد، دورا في هزيمة نابليون في نهاية الأمر.
لا يتبع الجميع مبدأ التعميمات المطلقة كأساس للتعامل مع أثرياء روسيا. فقد منحت إسرائيل جنسيتها لأبراموفيتش، كما أدهشتنا فرنسا بصورة أكبر حينما أسقطت تهمة غسل أموال ضد ملياردير آخر وهو سليمان كريموف، رغم احتفاظه بعلاقات وثيقة مع الكرملين كونه عضوا في مجلس الاتحاد الروسي.
ولكن تواصل بعض الجهات، مثل الإدارة الأمريكية، تعميم الحكم على كل أثرياء روسيا استنادا إلى تجارب معينة، وهو ما يؤدي إلى مردود عكسي. وإذا أراد الغرب حقا النيل من نظام بوتن، فعليه أن يدرك أن منح الأوليجاركيين حافزاً لأخذ أموالهم ومغادرة روسيا سيكون أكثر فعالية بدرجة كبيرة من معاقبة هؤلاء الذين يعتبرهم بوتن أعداءه.

زميل مؤسسة مارشال النمساوية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز.