قرار بوتين يخلط أوراق الأزمة السورية

الحدث الأربعاء ١٦/مارس/٢٠١٦ ٠٠:٣٠ ص
قرار بوتين يخلط أوراق الأزمة السورية

عواصم – ش – وكالات

"إن بوتين أستاذ المفاجآت، وفي هذه المرة فاجأ الجميع وأخذهم على حين غرة بقراره سحب القوات، كما فاجأهم عندما أعلن إرسال القوات الجوية إلى سوريا"، هكذا علقت صحيفة "موسكوفسكي كومسموليتس" الروسية على قرار بوتين، الذي أمر بسحب القوات العسكرية الروسية من سوريا بعد اتصال هاتفي مع نظيره السوري بشار الأسد، ليعيد النظر إلى الأزمة السورية من زاوية جديدةٍ، يغلب عليها طابع التكهنات؛ فبينما أعلنت موسكو أن هذه الخطوة جاءت ضمن اتفاق مسبق مع دمشق حول مدة عمل القوات الروسية، أخذ مراقبون ومحلليون بربط القرار الروسي بمحادثات جنيف 3، وأن موسكو أرادت الضغط على حليفها السوري، ولدعم هدنة وقف إطلاق النار والأعمال العدائية، وآخرون رأوا أن روسيا لم تعد تحتمل التكلفة الاقتصادية والسياسية لقرارها في المشاركة بالحرب السورية، لاسيما وأنها تعاني بالأصل من أزمة في محيطها الجغرافي تتعلق بأوكرانيا.
وعلى خلاف ما جاء في المعسكر الغربي المؤيد للمعارضة السورية، نظرت الأوساط الروسية إلى قرار بوتين باعتبار أن المهمة "أنجزت"، وهو ما أكده وزير الدفاع سيرجي شويجو الذي قال إن "مجموعة من القوات الجوية الفضائية الروسية تمكنت من وقف الإمدادات للتنظيمات الإرهابية في سوريا".

المهمة أنجزت
وفي سبيل تثبيت رأيها، تستعرض الصحف الروسية إحصائيات حول "المهمة المنجزة"، فعلى سبيل المثال: "دمرت الطائرات الروسية 209 منشآت نفطية تابعة للتنظيمات الإرهابية في سوريا، إلى جانب 2912 وسيلة لنقل منتجات النفط"، و"تمكنت القوات السورية بمساعدة الطيران العسكري الروسي من تحرير مساحة تزيد على 10 آلاف كيلومتر مربع، و 400 بلدة من سيطرة الإرهابيين"، و"طردت القوات السورية بمساعدة الطيران الروسي الإرهابيين من محافظة اللاذقية والقسم الأكبر من محافظتي حماة وحمص، وفكّت الحصار الذي فرضه الإرهابيون على مدينة تدمر، واستعادت السيطرة على حقول النفط والغاز قرب تدمر"، كما "قُتل أكثر من ألفي إرهابي أتوا إلى سوريا من روسيا، و17 قائدا لهم في غارات الطيران الروسي على مواقع المجموعات الإرهابية".
ويعزز الطرح السابق ما جاء في افتتاحية صحيفة "موسكوفسكي كومسموليتس" إذ رأت الصحيفة أن روسيا "قد تمكنت من الإفلات من الفخ السوري الذي ربما كانت عواقبه على البلاد نظريا أسوأ من حرب أفغانستان. فروسيا تنسحب من سوريا مرفوعة الرأس منتصرة، وكدولة عظمى تمكنت من تغيير مسار الحرب الأهلية في سوريا ولم تسمح بسقوط دمشق على يد المتطرفين"، لكن الصحيفة تستدرك قائلة إن "المسألة الأساسية التي تواجه المجتمع الدولي في سوريا بقيت غير محلولة، ألا وهي أن تنظيم داعش الناشط في سوريا لا يزال تتمتع بقوة كافية، فرغم الضربات القوية التي وجهت إليه، إلا أنه لم يهزم نهائيا".
المحلل السياسي الروسي البارز يفجيني مينشينكو قال لوكالة انترفاكس الروسية للأنباء "كان الخطر الأكبر لروسيا في عملية سوريا هو التورط في صراع عسكري طويل الأمد.. ولكن كما نرى فإن هذا لم يحدث". وأضاف "أظهر الجيش الروسي بشكل جيد قدراته المتنوعة".

المعارضة تتساءل
وفي المقابل؛ استقبلت المعارضة السورية قرار انسحاب موسكو بمواقف متضاربة بين مشكك ومتسائل عن طبيعة الانسحاب؛ هل يشمل وقف الطلعات الجوية الروسية كما أشار المتحدث باسم لجنة المفاوضات العليا منذر ماخوس، معتبرا أنه إذا كان هذا هو الأمر، فإن هذا سيغير الأزمة ككل. من جانبه، قال سالم المسلط المتحدث أيضا باسم اللجنة إنه لا أحد يعرف ما الذي يدور في ذهن بوتين، لكنه لم يكن لديه الحق في التدخل في سوريا في المقام الأول.
وفي الأثناء، وبينما يستمر الجدل، بدأت روسيا سحب معداتها العسكرية من سوريا، حسبما أعلنت وزارة الدفاع أمس الثلاثاء بعد ساعات على إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مساء أمس الأول سحب القسم الأكبر من القوات الروسية من هذا البلد.
وصرحت الوزارة في بيان إن "تقنيين بدأوا بتحضير الطائرات لرحلات طويلة المدى إلى قواعدها في روسيا"، مضيفة إن القوات العسكرية تقوم بتحميل معدات وتجهيزات على متن هذه الطائرات.
وجاء في بيان الكرملين ان الطرف الروسي سيحتفظ بقوة جوية على الأراضي السورية لمراقبة وقف إطلاق النار. ولم توضح الرئاسة الروسية أي نوع من الطائرات ستؤمن هذه المراقبة، لكن منذ دخول وقف اطلاق النار حيز التنفيذ في 28 فبراير، لجأت القوات الروسية إلى طائرات بدون طيار. كما لم يوضح الكرملين مكان تمركز هذه القوة الجوية، لكن من المرجح ان يكون قاعدة حميميم الجوية في محافظة اللاذقية في شمال غرب سوريا.

ترحيب دولي
على الصعيد الدولي، تم الترحيب بالقرار الروسي، حيث اعتبر مجلس الأمن الدولي الإعلان الروسي أمرا إيجابيا، بحسب ما قال الرئيس الحالي للمجلس السفير الأنجولي إسماعيل جاسبار مارتينز. وقال مارتينز "أخذنا علما بقرار روسيا بدء سحب جزء من قواتها (...) هذا شيء جيد"، مضيفا "نعتقد جميعا أن هذا أمر إيجابي". وأوضح في ختام مشاورات مغلقة حول سوريا في المجلس أن هذه المبادرة "أصبحت ممكنة بسبب التعاون الجيد بين الولايات المتحدة وروسيا".
إقليميا؛ اعتبر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أمس الثلاثاء أنه ينبغي النظر إلى خطوة روسيا ببدء الإنسحاب من سوريا، كإشارة إيجابية لوقف إطلاق النار. ومتحدثا من كانبيرا بعد لقائه نظيرته الأسترالية جولي بيشوب، أكد ظريف على موقف إيران حول ضرورة وقف إطلاق النار والتوصل إلى حل سياسي في سوريا.
وقال إن "حقيقة صمود شبه هدنة في سوريا موضع ترحيب، هذا شيء كنا نطالب منذ ما لا يقل عن عامين ونصف العام أو ثلاثة أعوام". وأضاف وزير الخارجية الإيراني أن "حقيقة أن روسيا أعلنت بدء سحب جزء من قواتها يشير إلى أنهم لا يرون حاجة وشيكة للجوء إلى القوة في الحفاظ على وقف إطلاق النار".
وتابع "هذا في حد ذاته يجب أن يكون إشارة إيجابية. الآن علينا أن ننتظر ونرى". وأوضح ظريف أنه طالما تم استثناء تنظيم داعش و"جبهة النصرة"، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، أو المتعاونين معهم، من الهدنة، فإن المجتمع الدولي متحد ضدهم.
وقال إن "الرسالة التي أوصلها المجتمع الدولي إلى داعش، والتي يجب أن ترسل إلى داعش والتنظيمات المتطرفة الأخرى، مفادها أن حربنا ضدهم بلا هوادة". وأضاف "لن نتوقف، وأعتقد أن المجتمع الدولي بأسره متحد في هذا الأمر".

*-*

الأمم المتحدة: على الغرب قبول 480 ألف لاجئ سوري
جنيف – ش – وكالات
قال مفوض الأمم المتحدة السامي للاجئين فيليبو جراندي إنه ينبغي على الدول الغربية تخفيف العبء عن جيران سوريا بتوفير 480 ألف مكان على الأقل للاجئين السوريين خلال الأعوام القليلة المقبلة.
وأضاف جراندي في الذكرى الخامسة لبداية الأزمة السورية: "تتطلب مأساة بهذا الحجم تضامنا يتجاوز مجرد التمويل". وكان الـ 898 ألف سوري الذين طلبوا اللجوء في أوروبا خلال الفترة من مارس 2011 حتى ديسمبر الفائت، قد سببوا أزمة سياسية في أوروبا حيث أغلقت دول كثيرة حدودها أو رفضت استضافة اللاجئين.
وفي الوقت نفسه، استقبلت مصر والعراق والأردن ولبنان وتركيا ودول شمال أفريقيا 8ر4 مليون سوري. وقال جراندي إن الضغط الذي سببه ذلك على الخدمات العامة والتمويلات دفع تلك الدول المجاورة لسورية إلى إدارة حدودها بشكل أكثر تقييدا. وأوضح أن ذلك يترك آلاف من اللاجئين بدون مأوى داخل سورية وغير قادرين على مغادرة البلاد.
وتعهدت الدول المانحة في فبراير الفائت بتوفير 5.9 بليون دولار في شكل مساعدات للسوريين الذين يعانون داخل البلد الذي مزقته الحرب ولأولئك الذين لاذوا بالفرار.
وقال جراندي إن هناك الكثير الذي يتعين عمله. وأضاف: "ببساطة نحتاج مشاركة المزيد من الدول في تقاسم الضغط وتحمل حصة أكبر من اللاجئين".
وتعهدت الحكومات حول العالم بتوفير 170 ألف مكان للسوريين حتى الآن وتأمل مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين بأن يزيد هذا الرقم بنسبة 10% على الأقل بالنسبة للاجئين الذين يعيشون حاليا في دول مجاورة كما تعلق امالها على مؤتمر دولي لوضع اللاجئين من المقرر أن يعقد في جنيف في 30 مارس الجاري. وقالت متحدثة باسم المفوضية لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن هدف الـ 480 ألف مكان يمكن الوصول إليه بتوفير أمكان للإقامة الدائمة وتأشيرات عمل ودراسة وكذلك لم شمل الأسر.