مشكلة المقامرة عند ترامب

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٢/أغسطس/٢٠١٨ ٠٤:٤٧ ص
مشكلة المقامرة عند ترامب

نينا خروتشوفا

لقد أثبت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال القمة التي جرت مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في هلسنكي في وقت سابق من هذا الشهر أنه ما يزال سيد المهارات التجسسية والتي أتقنها في الثمانينيات عندما كان ضابط استخبارات سوفييتي في ألمانيا الشرقية فترامب استسلم تحت نظرات بوتين الجامدة والتي تدرب عليها إبان عمله في جهاز الاستخبارات السوفييتي الـ«كي جي بي».

بعد القمة، أعلن ترامب أنه يثق في تطمينات بوتين بأن روسيا ليس لديها سبب يدعوها للتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لسنة 2016. إن البيان والذي يناقض وكالات الاستخبارات الأمريكية تعرّض لإدانة سريعة من العديدين ضمن المؤسسة الأمنية الأمريكية والحزب الديمقراطي الأمريكي وحتى بعض الجمهوريين. بول ريان، المتحدث الجمهوري باسم مجلس النواب الأمريكي قال «إن على ترامب أن يقدر بأن روسيا ليست حليفتنا» وحتى أن البعض ذهب لدرجة أن يصف تصرف ترامب «بالخيانة».

وكالعادة تراجع ترامب سريعا وادّعى أنه أساء التعبير بالنسبة «للنفي المضاعف» وقال إن الجملة التي كان يريد استخدامها هي «لم يكن هناك سبب ألا تكون روسيا هي التي تدخلت في الانتخابات» ولكن في حركة يتميز بها ترامب قام بالتحوط من ذلك التصحيح عندما قال «يمكن أن يكون هناك أشخاص آخرين كذلك فهناك الكثير من الأشخاص هناك» والآن يقول ترامب إنه لو تدخلت روسيا مجددا فإن ذلك سيكون لدعم الديمقراطيين.
إن كل هذه التقلبات قد عززت من الاعتقاد بأن بوتين لديه شيء ضد ترامب وهو تصوّر يبدو أن الرئيس الروسي يرحّب به؛ ففي هلسنكي أكد بوتين أنه أراد أن يفوز ترامب بالانتخابات -وهي بلا شك حركة محسوبة كان يعلم أنها تؤكد الاتهامات بأن حملة ترامب الرئاسية تواطأت مع الكرملين ونطرا للاستفادة التي حققتها روسيا بفضل الفوضى التي أثارها ترامب حتى الآن فلقد قرر بوتين أن يثير المتاعب بشكل أكبر.
بالطبع خلال التاريخ الطويل والمعقد للعلاقات الأمريكية الروسية، تدخل كل بلد في الشؤون الداخلية للبلد الآخر، وخلال الحرب الباردة عمل السوفييت على رعاية الحزب الشيوعي في الولايات المتحدة الأمريكية.
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي سنة 1991، شارك الأمريكان بشكل مكثف في المرحلة الانتقالية حيث ساهموا في الرأسمالية الفوضوية لحقبة بوريس يلتسين وفي واقع الأمر كان ضرر تلك الإصلاحات التي تم إدخالها بتشجيع من الغرب أكبر من فوائدها علما أن تلك الإصلاحات هي التي ساعدت على وصول بوتين للسلطة سنة 2000. لقد أراد الروس زعيما لا يستمع كثيرا للنصائح الأمريكية.
والآن يتدخل بوتين في السياسة الأمريكية، ليس فقط من خلال محاولة التأثير على الانتخابات ولكن أيضا من خلال نفوذه الكبير على ترامب نفسه. إن ترامب والذي جادل بعد القمة بوقت قصير بأن جهوده لتحسين العلاقات مع روسيا تخدم المصلحة الوطنية الأمريكية قام بدعوة بوتين لزيارة البيت الأبيض في المستقبل القريب ولقد رد بوتين بالمثل وقام بدعوة ترامب لزيارة الكرملين.
لكن حماسة ترامب «ورغبته في تحدي منتقديه» ليست بديلا عن انفتاح حقيقي على تعاون قائم على تبادل المنفعة مثل ذلك الذي حصل سنة 1959 عندما قام دوايت ايزنهاور بتوجيه الدعوة لنيكيتا خروتشوف بزيارة الولايات المتحدة الأمريكية وفي سنة 1986 عندما التقى ميخائيل جورباتشوف ورونالد ريجان في ريكيافيك ولكن على النقيض من ذلك فإن تصرفات ترامب تتسم بالخنوع مما أثار غضب القادة الأمريكان الآخرين، وبالنسبة للعديد من أعضاء المؤسسة الأمنية الأمريكية فإن التأثير الظاهر لبوتين على ترامب يشكل تهديدا وجوديا للديمقراطية الأمريكية وهو تهديد يشبه تهديد الاتحاد السوفييتي في ذروة الحرب الباردة.
لكن تزايد الهستيريا المتعلقة بروسيا يعتبر تهديدا جديا حيث إنه يعطل السياسة الخارجية الأمريكية ولدرجة أن ذلك قد يؤدي لمنح بوتين النفوذ العالمي الذي يسعى إليه وهو النفوذ الذي من أجله كان مستعدا للمقامرة بشكل كبير فلقد قام بغزو جورجيا سنة 2008 وضم شبه جزيرة القرم سنة 2014 وتدخل في الحرب الأهلية السورية لدعم حليفه بشار الأسد. إن التدخل الوقح في الانتخابات الأمريكية لإضعاف هيلاري كلنتون والتي كانت من أشد المنتقدين للكرملين يتناسب مع هذا النمط.
دعونا نعترف أن بوتين قد قلب الطاولة في وجه ترامب والولايات المتحدة الأمريكية ورغم أن بعض رهاناته قد نجحت أكثر من غيرها فإن النتيجة في المجمل هي أن روسيا اليوم هي لاعب جدي حيث يستمر بوتين في رفع الرهان وذلك بسبب قناعته أنه يمكن أن يفعل أي شيء بدون أي حساب.
لكن في نهاية المطاف فإن رئاسة ترامب المنحرفة والبغيضة على نحو متزايد هي التي تشكل التهديد العالمي الأكبر لأسباب ليس أقلها أنها تعطي بوتين فرص أكبر للانخراط في المغامرات وتفكيك القوة الأمريكية. إن من الأمثلة على ذلك هي حرب ترامب التجارية والتي تستهدف حتى أقرب حلفاء أمريكا والتي جعلت أعدادا متزايدة من الدول تتجه إلى التقارب مع روسيا.
إن ألمانيا والتي وصفها ترامب بدون خجل على أنها «أسيرة للروس» قد ردت على أفعال ترامب بما في ذلك معارضته لخط أنابيب الغاز الطبيعي نورد ستريم 2 الذي يربط روسيا بألمانيا. لقد ذكرت المستشارة انجيلا ميركيل بهدوء «إن بإمكاننا أن نتبنّى سياسات مستقلة خاصة بنا ونتخذ قرارات مستقلة» وبطريقة مماثلة وافقت الصين وهي الهدف الرئيسي للحرب التجارية لترامب على خطة روسية للانتقام مما تم الإعلان عنه عن نشر لأنظمة الدفاع الصاروخية الأمريكية في اليابان وكوريا الجنوبية.
عندما تم سؤال السياسي السوفييتي المخضرم اندريه جروميكو عن سبب الإطاحة بنيكيتا خروتشوف من السلطة أجاب ضاحكا «إن خروتشوف كان مقامرا متهورا لدرجة أننا سنكون محظوظين لو تمكنا من الاحتفاظ بموسكو». لقد كان جروميكو كوزير للخارجية هو الذي اضطر للتعامل مع مقامرة خروتشوف المندفعة والمتمثلة في أزمة الصواريخ الكوبية سنة 1962 رغم أنه في نهاية المطاف نجحت تلك المقامرة وذلك حين التزمت الولايات المتحدة الأمريكية بعدم غزو كوبا.
واليوم فإن ساكن البيت الأبيض المتهور هو الذي يشكل المشكلة الأكبر. لقد خسر عندما كان يقامر بأموال الآخرين في نشاط الكازينوهات في الماضي والآن فإن ترامب يقامر على أصول أكثر قيمة بكثير وحتى يحين الوقت لمغادرته للطاولة، ستكون الولايات المتحدة الأمريكية محظوظة لو احتفظت بما تبقى من رصيدها العالمي.

أستاذة في الشؤون الدولية وعميدة مساعدة للشؤون الأكاديمية في ذا نيو سكول وزميلة بارزة في معهد سياسات العالم