رأي رياضي دورة الألعاب الآسيوية

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٢/أغسطس/٢٠١٨ ٠٤:١٢ ص
رأي رياضي
دورة الألعاب الآسيوية

محمد العاصمي

عندما ركض محمد بن عامر المالكي في سيؤول عام 1986م في سباق 400م محققاً الميدالية البرونزية وهي أول ميدالية للسلطنة على المستوى الآسيوي انبهر جميع مَن كانوا داخل المعلب الأولمبي وانبهر معهم مَن كان يتابع المشهد من على الشاشات الفضية وتساءلوا مَن هذا الذي اقتحم عرش آسيا ومن أي دولة جاء؟ وقتها لم يكن يملك المالكي ورفاقه سوى العزيمة والإصرار وحب الوطن وبضعة من رجالات كانوا يدركون أهدافهم بدقة متناهية ويسعون لها بكل عزم واجتهاد ونكران للذات، وبعد عام من ذلك المشهد الرائع عاد المالكي ليضع اسمه كصاحب الرقم القياسي الآسيوي في سباق 400م بزمن 44.56 ث ليظل هذا الرقم صامداً 28 عاما مقرونا باسم المالكي والسلطنة، وبعد ثلاثة أعوام من هذا الحدث عاد المالكي ليرصّع صدر السلطنة بالذهب هذه المرة في ألعاب بكين 1990م ويرفع العلم العماني ويعزف السلام السلطاني في مشهد مبهر وخالد في الذاكرة هو الوحيد إلى الآن في سماء آسيا. بعد هذا الإنجاز غابت السلطنة عن منصات التتويج في هيروشيما 1994م وعادت بميدالية برونزية لألعاب القوى مرة أخرى عن طريق فريق التتابع في بانكوك 1998م لتعود للغياب في الدورات التالية بوسان الكورية 2002م والدوحة القطرية 2006م إلى أن أعاد العداء البطل بركات الحارثي السلطنة للمنصة في جوانزو الصينية 2010م في سباق 100م ومرة أخرى عن طريق ألعاب القوى لنعود مرة أخرى للسبات في انشيون الكورية 2014م. لتستقر حصيلة السلطنة عند أربع ميداليات طوال 32 عاما من المشاركات الآسيوية في أهم حدث آسيوي تشهده القارة واللافت أن جميع هذه الميداليات أتت عن طريق لعبة واحدة.
هذا الاستعراض التاريخي السريع لإنجازات السلطنة في دورة الألعاب الآسيوية أو لنقُل ما حققته السلطنة طوال مشاركاتها مهم جداً ليضعنا أمام حقيقة مهمة وهي: ماذا نريد من رياضتنا؟ ولو قمنا بحسبة بسيطة لِما تُنفقه السلطنة على القطاع الرياضي سنجد أن كلفة الميدالية الواحدة من الميداليات الأربع عالية جداً وهذا الأمر يُعيدنا لطرح سؤال أهم وهو: هل توجد لدينا فعلاً فكرة عمّا نريد تحقيقه في المستقبل؟ هذه الأسئلة دارت في ذهني وأنا أقرأ تصريح اللجنة الأولمبية في مؤتمرها الذي يسبق المشاركة في دورة الألعاب الآسيوية والتي ستقام هذا الشهر في مدينة جاكرتا الإندونيسية حيث جاء من ضمن المؤتمر أن اللجنة تتوقع الحصول على ميداليتين خلال هذه المشاركة الأولى عن طريق ألعاب القوى والثانية في مسابقة رفع الأثقال، هذا التوقع الذي أثار استغرابي وتساؤلاتي السابقة؛ فهل يُعقل أن يكون طموحنا بعد أن حققنا أول ميدالية في العام 1986م هو نفس الطموح بعد 32 عاما رغم تضاعف الإنفاق على الرياضة ووجود المنشآت التي لا تتوافر لكثير من الدول التي تمتلك عشرات الميداليات الآسيوية والاهتمام السامي والحكومي لدعم الرياضة والرياضيين. كل هذه المعطيات يجب أن تثير النقاش حول الرياضة لدينا ومدى وضوح الرؤية؛ فليس من المعقول أو المقبول أن نأتي بعد ثلاثين سنة أخرى لنتحدّث عن احتمالية حصولنا على ثلاث ميداليات. من وجهة نظري أن الفترة الماضية من المشاركات يجب أن تخضع للبحث والتقييم والقراءة المتأنية من أصحاب الاختصاص حتى نتمكّن من توجيه اهتمامنا وتركيزنا على الألعاب التي تحقق النتائج وتجلب الإنجازات للسلطنة وقد يكون هذا الأمر مثيراً للجدل ولكنه الحل الأمثل لتجاوز هذا الوضع الذي نعاني منه منذ فترة طويلة وما زلنا نكرره لنعود بعد كل مشاركة نتحدّث عن الإخفاق وأسبابه وعوامله ثم نصحوا في اليوم التالي لنكرر نفس الأخطاء ونعمل بنفس الطريقة السابقة.
في عهد إنجازات المالكي لم تكن هناك وزارة خاصة للرياضة ولم يكن يملك المدرّب العالمي الذي تُصرف له آلاف الريالات ولم يكن هناك خبراء ومستشارون يتابعون برامجه الإعدادية ويحللون نتائجه بل كانت هناك مجموعة من الرجال الذين حددوا هدفهم وعملوا بجد وقرروا أن يضعوا اسم السلطنة في منصات التتويج. إنني لا أتحدّث عن أفراد بقدر ما أتحدّث عن منظومة عمل يجب أن ترتقي برياضتنا فالوضع الحالي لا يليق بتطلعاتنا وما يُقدَّم للرياضة يمكن استثماره بشكل أفضل وتحقيق نتائج أميز عطفاً على ما تملكه السلطنة من مواهب وشغف للرياضة، وأتمنى أن تكون هناك التفاتة من الجميع سواء الوزارة أو اللجنة الأولمبية أو الاتحادات الرياضية أو الأندية التي تمثّل منظومة الرياضة العمانية، وإنني على يقين من أن الوضع سيتغيّر للأفضل إذا ما حددنا أهدافنا بوضوح ووضعنا جهودنا في مكانها الصحيح وتكاملت هذه الجهود.