مسقط -
الحاجة الماسة لحماية المستهلك نشأت بسبب ما يتعرض له المستهلك من ممارسات سلبية عديدة عندما يرغب في شراء أي سلعة أو منتج أو عندما يرغب في الحصول على أي نوع من الخدمات. ولكن في بعض الحالات، يتبيّن أن ما يحصل عليه المستهلك من سلع ومنتجات أو خدمات دفع مقابلها لا يحقق المصلحة المرجوة بل قد يسبب له الأضرار مادياً ومعنوياً أو وجسدياً. ولذا فهناك مسؤولية افتراضية على المستهلك باتخاذ كل الحذر والحيطة اللازمة من قِبله، غير أن وجود هذه المسؤولية، وبصفة عامة، لا يمنع من انتقاص حقوق المستهلك وتعرضه للمخاطر التي تنتقص من حقوقه.. ولسد هذه الفجوة الموجودة بين مقدم السلعة والمنتجات أو الخدمات واحتياجات المستهلك وفّر قانون حماية المستهلك ضوابط محكمة بحيث لا يمكن معها لي ذراعه واستغلال حاجته بفرض شروط واتفاقات تنتقص من حقوقه حيث نص القانون على انه «يحظر الانتقاص من حقوق المستهلك أو التزامات المزود المنصوص عليهما في هذا القانون واللائحة وغيره من القوانين واللوائح والقرارات ذات الصلة بحماية المستهلك. ويعتبر باطلا كل اتفاق يخالف ذلك». صفحة «المستهلك» فتحت التحقيق التالي:
القانون لا يعتد بشروط المخالفة
في البداية تشير المحامية فاطمة عبدالكريم مكي إلى أن العقد هو توافق بين إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني إذ إن أساس العقد هو الإرادة المشتركة لطرفيه فمبدأ سلطان الإرادة هو توافق إرادتين لإنشاء العقد هي التي تحدد الالتزامات التي يرتبها العقد، وهذا يعني أن كل الالتزامات ترجع في مصدرها إلى الإرادة الحرة وأن هذه الإرادة هي التي تحدد ما يترتب على الالتزام من آثار قانونية ويترتب عن هذا وجوب احترام حرية المتعاقدين والقوة الملزمة للعقد المستمدة من مشيئة المتعاقدين فلا يجوز نقض العقد أو تعديله إلا باتفاقها فلا يتدخل المشرع أو القاضي في هذا العقد إلا في حالات خاصة.
وأضافت: باستقراء قانون حماية المستهلك يستخلص على أن المشرع اعتبر الاتفاقات المتعلقة بالانتقاص من حقوق المستهلك من النظام العام، وهي تسري على كل العقود كيفما كان شكلها أو وسيلة إبرام العقد.
وأشارت إلى أن ما تعلن عنه بعض المحلات التجارية بأن السلعة المباعة لا ترد ولا تستبدل هي مخالفة صريحة لنصوص القانون، مؤكدة أن أي سلعة معيبة من حق المستهلك ردها خلال مدة معينة، ومشيرة إلى أن هناك بعض الحالات يتم التوافق فيها بين المستهلك والبائع على بدائل أخرى لعملية الاسترجاع والاستبدال عند وجود بعض العيوب نتيجة سوء استخدام السلعة من قِبل المستهلك.
وأكدت المحامية فاطمة أن القانون يؤكد أنه لا يعتد بأي شروط تضعها المحلات التجارية ضمن سياسات الاسترجاع إذا كانت تنتقص من الحق في الاسترجاع أو الاستبدال، مشيراً إلى أن كثيراً من البائعين لا يقدمون أي ضمانات على منتجاتهم تحت زعم أنهم لا يتمتعون بهذه الميزة من قِبل الوكيل.
وأضافت: وعلى سبيل المثال لا الحصر، تعتبر الشروط باطلة حكماً عندما يكون الغرض منها أو يترتب عليها إلغاء أو انتقاص حق المستهلك في الاستفادة من التعويض في حالة إخلال المورد بأحد التزاماته، أو احتفاظ المورد بالحق في أن يغير من جانب واحد خصائص المنتوج أو السلعة المزمع تسليمها أو الخدمة المزمع تقديمها وكذلك إعفاء المزود من المسؤولية القانونية أو الحد منها في حالة وفاة المستهلك أو إصابته بأضرار جسمانية نتيجة تصرف أو إغفال من المورد، أو إلغاء حقوق المستهلك القانونية أو الحد منها بشكل غير ملائم إزاء المورد أو طرف آخر في حالة عدم التنفيذ الكلي أو الجزئي أو التنفيذ المعيب من لدن المورد لأي من الالتزامات التعاقدية، أو النص على الالتزام النهائي للمستهلك في حين أن تنفيذ التزام المورد خاضع لشرط يكون تحقيقه رهيناً بإرادته وحده أو تخويل المورد الحق في أن يقرر فسخ العقد إذا لم تمنح نفس الإمكانية للمستهلك، والسماح للمزود بالاحتفاظ بالمبالغ المدفوعة برسم خدمات لم ينجزها بعد عندما يقوم المورد نفسه بفسخ العقد أو التأكيد على قبول المستهلك بصورة لا رجعة فيها لشروط لم تتح له بالفعل فرصة الاطلاع عليها قبل إبرام العقد أو الإذن للمزود في أن يغير من جانب واحد بنود العقد دون سبب مقبول ومنصوص عليه في العقد ودون إخبار المستهلك بذلك.
وأضافت: ومن ذلك أيضاً التنصيص على أن سعر أو تعريفة المنتوجات والسلع والخدمات يحدد وقت التسليم أو عند بداية تنفيذ الخدمة، أو تخويل المورد حق الزيادة في أسعارها أو تعريفتها دون أن يكون للمستهلك، في كلتا الحالتين، حق مماثل يمكنه من فسخ العقد عندما يكون السعر أو التعريفة النهائية مرتفعة جداً مقارنة مع السعر أو التعريفة المتفق عليها وقت إبرام العقد، أو تخويل المزود وحده الحق في تحديد ما إذا كان المنتوج أو السلعة المسلمة أو الخدمة المقدمة مطابقة لما هو منصوص عليه في العقد أو في تأويل أي شرط من شروط العقد، أو تقييد التزام المورد بالوفاء بالالتزامات التي تعهد بها وكلاؤه أو تقييد التزاماته بإجراء لا دخل للمستهلك فيه، أو إلزام المستهلك بالوفاء بالتزاماته ولو لم يفِ المورد بالتزاماته، أو النص على إمكانية تفويت العقد لمزود آخر إذا كان من شأنه أن يؤدي إلى تقليص الضمانات بالنسبة إلى المستهلك دون موافقة منه، أو إلغاء أو عرقلة حق المستهلك في إقامة دعاوى قضائية أو اللجوء إلى حماية المستهلك، وذلك بالحد بوجه غير قانوني من وسائل الإثبات المتوفرة لديه أو إلزامه بعبء الإثبات الذي يقع عادة على طرف آخر في العقد، طبقاً للقانون المعمول به.
حماية من تأثير
الحاجة والاضطرار للتنازل
وأكد المحامي أحمد الحصار أن المشرع وضع في قانون حماية المستهلك نصوصاً تحمي المستهلك من تأثيرات الحاجة والاضطرار للتنازل عن بعض الحقوق التي شرعت لأجله، واعتمادا على إلزامية هذه النصوص فإنها تنقسم إلى قسمين: الأول نصوص يجوز الاتفاق على خلاف ما ورد فيها وهي النصوص التي تشرع لمصلحة الفرد ولا تمس حقوق المجتمع في الغالب.
والثاني هي النصوص الآمرة والتي لا يجوز الاتفاق على خلافها وهي في الغالب الحقوق المتعلقة بحقوق المجتمع حتى ولو كانت في ظاهرها قد شرعت لمصلحة الفرد وهذه النصوص الآمرة يقع كل اتفاق على خلاف ما ورد فيها باطلا ولا يترتب أي أثر قانوني لمثل هذه الاتفاقات ومنها على سبيل المثال قانون العمل وقانون الجزاء والقوانين المنظمة لحقوق التقاضي ويأتي على رأسها قانون حماية المستهلك الذي شرع لحماية شريحة واسعة في المجتمع وهو قانون يحمي الطرف الضعيف في هذه المعادلة وهو المستهلك الذي قد يكون مضطراً لإبرام صفقة مع أحد التجار يتنازل فيها عن بعض الحقوق التي ألزم فيها المشرع التاجر. ويضيف الحصار: فلو تم مثل هذا الاتفاق كتنازل جزئي أو كلي عن الحق المحمي بموجب القانون يستطيع المستهلك الرجوع عن هذا الاتفاق ويلجأ إلى القضاء لتعديل هذا الاتفاق أو فسخه وهذه من الضمانات الأساسية التي منحها قانون حماية المستهلك للفرد.
حماية الحقوق الأساسية
من جانبه أكد د.عبدالقادر ورسمه غالب المستشار القانوني ورئيس دائرة الشؤون القانونية لبنك البحرين والكويت وأستاذ قوانين الأعمال والتجارة بالجامعة الأمريكية بالبحرين، أن الحاجة الماسة لحماية المستهلك طرأت نظراً لما يتعرض له من ممارسات سلبية عديدة عندما يرغب في شراء أي سلعة أو منتج أو عندما يرغب في الحصول على أي نوع من الخدمات. يقوم المستهلك بشراء السلع والمنتجات المختلفة التي يحتاج لها يومياً من مأكولات ومشروبات وملبوسات وعلاج وترحيل.. كما يحتاج لخدمات عديدة من الجهات الهندسية أو الطبية أو المصرفية أو التعليمية أو خلافه.. وبصفة أساسية يجب أن يحصل المستهلك على كل متطلباته واحتياجاته الضرورية بما يعود بالنفع له من أجل تحقيق المصلحة المرجوة، وليس العكس. لكن في بعض الحالات، تبيّن أن ما يحصل عليه المستهلك من سلع ومنتجات أو خدمات لا يحقق المصلحة المرجوة بل قد يسبب له الأضرار الجسيمة مادياً ومعنوياً وجسدياً.
ويضيف: وفي هذا يتضح وجود تعارض وعدم اتفاق بين مصلحة مقدم السلعة والخدمات من جهة ومصلحة المستهلك من الجهة الأخرى، وعند حدوث هذا التعارض لأي سبب يكون المتضرر في أغلب الأحوال «الطرف الضعيف» أي المستهلك، وغالبيتهم من الضعفاء مهضومي الحقوق.
وأوضح أن هناك مسؤولية افتراضية على المستهلك باتخاذ كل الحذر والحيطة اللازمة من قبله، وهذه المسؤولية الافتراضية تحكمها مبادئ القانون العام التي نتجت عنها ثروة من الأحكام القضائية فيما يتعلق بعلاقة البيع والشراء بين البائع والمشتري «المستهلك». غير أن وجود هذه المسؤولية، وبصفة عامة، لا يمنع من انتقاص حقوق المستهلك وتعرضه للمخاطر التي تنتقص من حقوقه.. ولسد هذه «الفجوة» الموجودة بين مقدم السلعة والمنتجات أو الخدمات واحتياجات المستهلك كان لا بد من وضع ضوابط معيّنة بهدف حماية حقوق المستهلك حتى لا يكون ضحية الجشع أو التدليس أو الغش أو الاحتيال أو سوء المعاملة من أي جهة كانت.. و«من غشنا فليس منا».
وأوضح د.عبدالقادر: ظل المستهلك، وبمساندة أطراف عديدة تمثل جهات رسمية وشعبية، يطالب الجهات التي يتعامل معها بضرورة العمل الجاد من أجل حماية حقوقه. ولقد استمرت هذه الجهود لحماية المستهلك لفترة طويلة وسنوات عديدة وأثمرت بعد جهد جهيد عن تبنّي الأمم المتحدة لمبادئ حماية حقوق المستهلك كنقطة انطلاق دولية ارتكازية لحماية المستهلك، كل مستهلك، في كل مكان. وبعد مداولات عديدة وشد وجذب أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1985 الإطار العام لمبادئ حقوق المستهلك والمتمثلة في «الثمانية حقوق» التي تشمل المحاور الأساسية لحقوق المستهلك. وهذه «الثمانية حقوق» للمستهلك هي حق الأمان، وحق المعرفة، وحق الاختيار، وحق الاستماع لآرائه، وحق إشباع احتياجاته الأساسية، وحق التعويض، وحق التثقيف، وأخيراً تمت إضافة حق الحياة في بيئة صحية.. لأن البيئة تمثل وتشمل كل شيء حول المستهلك.
واستطرد: لقد وضعت الأمم المتحدة هذه الحقوق كمبادئ إطارية عامة لتوفير الحماية لحقوق المستهلك، وبصفة عامة، فإن حق الأمان يشمل توفير الحماية للمستهلك من كافة المنتجات والخدمات وعمليات الإنتاج التي تؤدي إلى مخاطر في حياة وصحة المستهلك. وحق المعرفة يشمل تزويد المستهلك بالحقائق التي تساعد على قيامه بالاختيار السليم وحمايته من الإعلانات ومن بطاقات السلع التي تشمل معلومات مضللة وغير صحيحة. وحق الاختيار في أن يستطيع المستهلك الاختيار من المنتجات والخدمات التي تعرض بأسعار تنافسية مع ضمان الجودة. وحق الاستماع إلى آرائه في أن تمثل مصالح المستهلك في إعداد سياسات الدولة وتنفيذها، وفي تطوير المنتجات والخدمات. وحق إشباع احتياجاته الأساسية يتمثل في أن يكون للمستهلك حق الحصول على السلع الضرورية الأساسية وكذلك الخدمات كالغذاء والكساء والمأوى والرعاية الصحية والتعليم. وحق التعويض يشمل أن يكون للمستهلك الحق في تسوية عادلة لمطالبة مشروعة شاملة التعويض عن التضليل أو السلع الرديئة أو الخدمات غير المرضية. وحق التثقيف يشمل أن يكون للمستهلك الحق في اكتساب المعارف والمهارات المطلوبة لممارسة الاختيارات الواعية بين السلع والخدمات، وأن يكون مدركاً لحقوق المستهلك الأساسية ومسؤوليته وكيفية استخدامها. وحق الحياة في بيئة صحية يشمل أن يكون للمستهلك الحق في أن يعيش ويعمل في بيئة خالية من المخاطر للأجيال الحالية والقادمة.
مشيراً إلى أن ما يهم، أن المبادئ التي أقرّتها الأمم المتحدة، صدرت لمنح الغطاء القانوني الدولي لتوفير أسس الحماية المطلوبة لحقوق المستهلك. ومن هذا المنطلق قامت العديد من الدول، واسترشاداً بمبادئ الأمم المتحدة، بإصدار تشريعاتها الوطنية لحماية حقوق المستهلك ومن ضمنها السلطنة. وبهذا التفاعل تم وضع أسس تشريعية شبه «موحدة» في كل الدول متضمنة المبادئ الإطارية العامة لحماية حقوق المستهلك في أي مكان وأينما كان. وعلى كل دولة تحترم حقوق مواطنيها، وتهتم بالإنسان كإنسان، بذل كل الجهد في سبر أغوار احتياجات وحقوق المستهلك لتوفير ما يغطي الحماية الكافية والتامة لهذه الحقوق الأساسية التي تنادي بها الأحكام والمواثيق الدولية إضافة للدساتير المحلية، وعليها أن تتصدى من أجل توفيرها.