هل نعود إلى 2008

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٦/مارس/٢٠١٦ ٠٠:١٥ ص
هل نعود إلى 2008

نورييل روبيني

السؤال الأكثر تكراراً بين ما يُطرَح عليّ من أسئلة في أيامنا هذه هو: هل عدنا إلى العام 2008، وهل ننتظر أزمة مالية عالمية أخرى وركود؟

وإجابتي هي «كلا» صريحة ومباشرة، غير أن النوبة الأخيرة من الاضطرابات في الأسواق المالية العالمية من المرجح أن تكون أكثر خطورة من أي فترة أخرى من التقلبات والعزوف عن المخاطرة منذ العام 2009. ويرجع هذا إلى سبعة مصادر على الأقل للمخاطر النادرة، خلافاً للعوامل المنفردة ــ أزمة منطقة اليورو، و»نوبة الغضب» الناجمة عن الخفض التدريجي للتسير الكمي، والخروج اليوناني المحتمل من منطقة اليورو، والهبوط الاقتصادي الحاد في الصين ــ التي أججت التقلبات في السنوات الأخيرة.

فأولا، عادت بقوة المخاوف بشأن الهبوط الحاد في الصين وتأثيره المحتمل على سوق الأوراق المالية وقيمة الرنمينبي. وفي حين أن هبوط الصين سوف يكون وعراً وليس حاداً في الأرجح، فإن مخاوف المستثمرين لم تهدأ بعد، وذلك بسبب تباطؤ النمو المستمر وهروب رأس المال المتواصل.
وثانياً، تعاني الأسواق الناشئة من متاعب خطيرة. فهي تواجه رياحاً عالمية معاكسة (تباطؤ الصين، وانتهاء دورة السلع الأساسية الخارقة، وخروج بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي من أسعار الفائدة صِفر). وتشهد كل هذه البلدان اختلالات في توازن الاقتصاد الكلي، مثل عجز الحساب الجاري والمالي المزدوج، ومواجهة التضخم المرتفع وتباطؤ النمو. كما لم تنفذ أغلب هذه البلدان الإصلاحات البنيوية اللازمة لتعزيز النمو المحتمل المتراجع. كما يعمل ضعف العملة على زيادة القيمة الحقيقية لتريليونات الدولارات من الديون التي تراكمت خلال العقد الفائت.
وثالثاً، ربما أخطأ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عندما خرج من سياسة سعر الفائدة صِفر في ديسمبر. فالآن يشكل ضَعف النمو، وانخفاض التضخم (نظراً لانخفاض أسعار النفط إلى مستويات أدنى)، والظروف المالية الأكثر صرامة (بسبب ارتفاع قيمة الدولار، والتصحيح في أسواق الأوراق المالية، والفوارق الائتمانية الأكثر اتساعاً) تهديداً للنمو وتوقعات التضخم في الولايات المتحدة.
ورابعاً، توشك مخاطر جيوسياسية عديدة أن تنفجر. ولعل المصدر الأقرب لعدم اليقين يتمثل في احتمال نشوب حرب باردة طويلة الأجل ــ تتخللها صراعات بالوكالة ــ بين القوى الإقليمية في الشرق الأوسط، وخاصة المملكة العربية السعودية السُنّية وإيران الشيعية.
وخامساً، كان انحدار أسعار النفط سبباً في هبوط أسعار الأسهم الأمريكية والعالمية واتساع فجوة الفوارق الائتمانية. وربما يشير هذا الآن إلى ضعف الطلب العالمي ــ وليس ارتفاع العرض ــ مع تباطؤ النمو في الصين، والأسواق الناشئة، والولايات المتحدة.
كما تلحق أسعار النفط الضعيفة الضرر بالشركات المنتجة للطاقة في الولايات المتحدة، والتي تشكل حصة كبيرة من سوق الأسهم، وتفرض خسائر ائتمانية وعجز محتمل عن سداد الديون على الاقتصادات المصدرة للطاقة، ودولها ذات السيادة، والشركات المملوكة للدول، وشركات الطاقة. ومع تقييد اللوائح التنظيمية لصناع السوق ومنعهم من توفير السيولة واستيعاب تقلبات السوق، تصبح كل صدمة جوهرية أكثر شِدة من حيث تصحيحات أسعار أصول المخاطرة.
وسادساً، تواجه البنوك العالمية تحدي انخفاض العوائد، وذلك نظراً للقواعد التنظيمية الجديدة السارية منذ العام 2008، وصعود التكنولوجيا المالية التي تهدد بتعطيل نماذج أعمالها المطعون فيها بالفعل، والاستخدام المتزايد لأسعار الفائدة السلبية، وارتفاع الخسائر الائتمانية على الأصول السيئة (الطاقة، والسلع الأساسية، والأسواق الناشئة، والشركات الأوروبية المقترضة الهشة)، والتحرك في أوروبا نحو تحميل دائني البنوك جزءاً من الخسائر، بدلاً من إنقاذها بمساعدات الدولة التي أصبحت مقيدة الآن. وأخيراً، ربما يصبح الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو نقطة انطلاق الاضطرابات المالية العالمية هذا العام.

رئيس مؤسسة روبيني للاقتصاد العالمي

وأستاذ الاقتصاد في كلية شتيرن لإدارة الأعمال في جامعة نيويورك