حيدربن عبدالرضا اللواتي
haiderdawood@hotmail.com
البيان الذي أصدره البنك المركزي العُماني مؤخراً حول ضرورة قيام المواطنين والمقيمين بالمحافظة على العملة الوطنية من العبث والتلف والتشويه لم يكن الأول من نوعه، بل سبقته عدة بيانات أخرى خلال السنوات الفائتة في إطار التوعية المستمرة التي يقوم بها البنك تجاه المحافظة على العملة الوطنية من جميع معاني التشويه، وقيامه بنشر هذه القضايا في مختلف وسائل الإعلام. فالنقود الورقية تعتبر من أهم الابتكارات التي ابتكرها الإنسان لتسهيل عمليات التبادل، وخزن الثروة، والوفاء بالالتزامات، الأمر الذي يتطلب الحفاظ عليها من أي إساءة. وأي عملة لا بد لها أن تحوى على عدة رموز وطنية، وتحوي في نفس الوقت قيمة قانونية، الأمر الذي يتطلب من الجميع المحافظة عليها من التشوية والتلف والعبث وبمختلف الوسائل والأساليب، خاصة وأن الكثير من الناس أصبح اليوم يقومون بإيداع عملاتهم الورقية عبر الوسائل والأجهزة الإلكترونية من خلال أجهزة الصرف والإيداع التي تثبتها البنوك في سائر المناطق والمحافظات، وأن وجود أي تشوية في أوراقها النقدية يعني عدم تقبل تلك الأجهزة للعملة المودعة.
وقبل أن نشير إلى المواد القانونية التي تجرّم عملية تشويه والعبث بالعملات الوطنية، نؤكد مرة أخرى إلى أن الأوراق النقدية في أية دولة تمثل أحد مقومات المواطنة الصادقة التي يجب على الجميع المحافظة عليها، والامتناع عن الإساءة إليها بأية وسيلة، باعتبارها رمز مهم للعلاقة الاقتصادية والاجتماعية، وأنها أداة أساسية لكسب الثقة بالاقتصاد الوطني وحمايتها ضرورة من قبل المعنيين في البنوك المركزية والأجهزة الأخرى. ومن هذا المنطلق، ترى الكثير من الدول ومنها السلطنة إلى أن الإساءة إلى العملة الوطنية بأي شكل كان تشكل ضررا للاقتصاد، ناهيك من التكلفة المالية التي تدفعها الدولة عبر بنوكها المركزية لإعادة طباعة الأوراق النقدية لتعويض تلك العملات المشوهة وغير صالحة للاستخدام.
إن أشكال العبث بالعملات الوطنية اليوم كثيرة منها تعمد البعض بتشويهها من خلال الكتابة عليها أو تمزيق أجزاء منها أو إتلافها أو حرقها، أو من خلال الاستخدامات الخاطئة والسيئة لها كاستخدامها في الأفراح وبعض المناسبات الاجتماعية، حيث لاحظ البنك المركزي العُماني قيام بعض المحلات في السلطنة بصنع وبيع آكاليل وعقود من العملات الورقية الوطنية لتعليقها حول عنق العروسين ليلة الزواج، الأمر الذي يؤدي إلى تشويه هذه العملات، مؤكدا في بيانه الأخير إلى أن مثل هذه الممارسات تؤدي إلى تشويه العملة الوطنية نتيجة للثقوب التي تتم في تلك العملات. وهذا مخالف لأحكام القانون المصرفي العُماني رقم (114/2000م).
إن مثل هذه التشويهات والتلف لا يعكس صورة المواطن الحضاري للدولة سواءا أكان مواطنا أو مقيما في البلاد. فالجميع عليه الابتعاد عن فعل أي أمر أو تصرف سلبي تجاه العملة الوطنية، والتذكّر بأن تدوين أية ملاحظة على العملات سواء بكتابة رقم معين أو عبارة عاطفية أو اجتماعية يعني الإخلال بالقانون المصرفي، ناهيك عن أن بعض المؤسسات التجارية في العالم ترفض التعامل مع أية عملة مشوهة وعليها عبارات ليعرف صاحبها بأنه قد أساء إلى هذه العملة.
ومن خلال متابعة هذا الأمر نرى أن هناك حالات متكررة في كثير كم الدول العربية لتشويه العملة سواء بقصد أو بغير قصد، حيث أن هذه القضية تعاني منها الكثير من البنوك المركزية في العالم العربي وبعض الدول الأسيوية، عكس ما هو سائد في الدول المتقدمة، الأمر الذي يوحي باستخفاف البعض لعملاتهم الوطنية التي يجب أن تبقى في صورة حضارية، وهذا ربما يرجع لغياب بعض الإجراءات الرادعة التي يجب اتخاذها تجاه الذين يسيئون للعملة الوطنية.
لذا فإن البنك المركزي العُماني يحرص دائماً على أن يوفر للجمهور عملات ورقية نظيفه وتتوافر فيها عدة خصائص لتكون مصدر ثقة للتعامل معها على المستوى الوطني وفي الخارج أيضاً، باعتبار أن أية عملة وطنية تعد رمزاً من رموز السيادة الوطنية التي تتطلب المحافظة على جودة أوراقها، وبالتالي يليق بالجميع استخدامها بعيداً عن أي سؤ. والبيان الأخير للبنك للبنك المركزي يؤكد على ذلك، ويشير إلى أن أي استخدام للأوراق النقدية الوطنية والعملات المعدنية لغير التداول كنقد قانوني يقع تحت طائلة أحكام المادة (42 ب) من القانون المصرفي العُماني، الذي ينص على أن أية مخالفة لهذه المادة تعتبر إخلالا بالثقة العامة وفقا لأحكام الفصل الأول من الباب الثالث الكتاب الثاني من قانون الجزاء العُماني أو أي قانون يحل محله.
قد رصد القائمون في البنك المركزي العُماني خلال السنوات الفائتة عدة حالات تشويه للأوراق النقدية الوطنية، نتيجة لقيام البعض بختم الأوراق النقدية أو الكتابة عليها أرقام ومسحها لاحقا، أو سوء استخدامها كتثقيبها مما يؤدي إلى تغيير معالمها أو تلفها. وهذا ما يجب الإحاطة به لأن ذلك لا يليق بسمعة المواطن الحريص على مصلحة الوطن، بل يعرض فاعله للمساءلة القانونية. فالعبث المتعمد بالعملة الوطنية يعتبر جريمة يساءل عنها المتسبب، وهذا ما يجب التنويه عنه. وأخيراً فإن وسائل الإعلام لها دور كبير في توعية المواطنين حول سلامة استعمال العملة والمحافظة عليها في جميع الأوقات.