زيادة معدل الادخار في أمريكا

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٣٠/يوليو/٢٠١٨ ٠٣:٠٠ ص
زيادة معدل الادخار في أمريكا

مارتن فيلدشتاين

تحتاج الولايات المتحدة إلى سياسات جديدة لرفع معدلات ادخار الأسر. في الفترة من ستينيات إلى ثمانينيات القرن العشرين كان معدل الادخار الأسري يتراوح بين 10% إلى 13 % من الدخل بعد اقتطاع الضريبة، مما وفر الأموال اللازمة للاستثمار في المصانع والمنشآت والمعدات. ومنذ ذلك الحين، انخفضت مستويات الادخار الأسري بشكل حاد، حتى بلغ متوسط معدل الادخار المماثل في العقد المنصرم نحو 5.5 % فقط، والآن أصبح 3.4 %.

وسبب هذا الانحدار غير الواضح. يشير تفسير معقول إلى أن الأسر في سن العمل ربما لم تعد تستشعر الحاجة إلى التوفير لسنوات التقاعد بسبب زيادة ثقتها في برنامج التقاعد التابع للضمان الاجتماعي. ورغم أن الضمان الاجتماعي أُنشئ في ثلاثينيات القرن العشرين، فقد كانت المخاوف واسعة الانتشار في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين من عدم تمكن البرنامج من البقاء سياسيا بسبب المعارضة من قِبَل المحافظين. ولكن عندما كانت أموال برنامج الضمان الاجتماعي على وشك أن تنفد في عام 1982، أنقذه رئيس شديد المحافظة وهو «رونالد ريجان». بعد ذلك، كان من المعقول أن نفترض أن فوائد الضمان الاجتماعي ستظل متاحة. ولم يكن الادخار لغرض الرعاية الصحية في سن الشيخوخة ضروريا أيضا، وذلك بفضل برامج مثل «ميديكير» و»ميديك ايد».

أياً كان السبب وراء انخفاض معدل الادخار الأسري حاليا، فإن هذا يفرض مشكلة بالغة الخطورة وتستلزم العمل السياسي العاجل. ولحسن الحظ أن المواقف في الولايات المتحدة شهدت تغيرا ملموسا بمرور الوقت. ففي السنوات المبكرة بعد الحرب العالمية الثانية، عندما كان الكساد العظيم ما يزال حاضرا في الذاكرة الحديثة، تسببت المخاوف التي استندت إلى نظريات جون ماينارد كينز بشأن الركود الاقتصادي في دفع الساسة إلى تفضيل معدل ادخار منخفض. إذ كان من المعتقد أن انخفاض معدل الادخار يعني المزيد من الإنفاق الاستهلاكي وبالتالي تزايد قوة الطلب وارتفاع معدلات تشغيل العمالة. ولكن عندما أدرك صناع السياسات أن ارتفاع مستوى الادخار يعني في حقيقة الأمر المزيد من الاستثمار والنمو الأسرع، أقر الكونجرس الأمريكي تشريعات تشجع المزيد من الادخار الشخصي.
وكان التحرك الأكثر أهمية بين مثل هذه الاستجابات إنشاء ما يسمى حسابات (401k)، التي تسمح لأرباب العمل بالمساهمة بالأموال في حسابات التقاعد لصالح موظفيهم. ومثل هذه الخطط يرعاها أصحاب الأعمال ويديرها الموظفون. كما أنشأ الكونجرس حسابات التقاعد الفردية المفضلة ضريبيا والتي تسمح للأفراد الآن بتجنيب ما قد يصل إلى 5500 دولار سنويا وإدارة حسابات التقاعد الفردية بأي وسيلة يرونها مناسبة.
والآن يقترح الكونجرس تغيير القواعد للالتفاف حول هذه المشاكل. وسوف تكون الشركات الصغيرة قادرة على الانضمام إلى شركات أخرى لإنشاء خطط (401k)، وبالتالي الاستفادة من تكاليف الإدارة المنخفضة. وسوف تعطي الحكومة الشركات الصغيرة منحة لتمكينها من تحمل تكلفة وضع خطة جديدة.
ولعل الأمر الأكثر أهمية هو إعطاء الشركات الصغيرة الفرصة لإنشاء «خطط إدراج تلقائية»، والتي تُظهر التجربة أنها فعّالة للغاية في حمل الموظفين على الانضمام ودعم الادخار في إطار خطط (401k). في هذا السيناريو يجري إدراج الموظفين تلقائيا في هذه الخطط، مع إبلاغهم بأنهم يمكنهم سحب أموالهم عندما يريدونها -أي أنهم لن يضطروا إلى الانتظار إلى أن يبلغوا سن التقاعد.
وإليكم السبب وراء أهمية الإدراج التلقائي. عندما يُعرَض على الموظفين الجدد الفرصة للحصول على 5% من رواتبهم المودعة في خطة (401k)، فإن قِلة منهم ربما يختارون المشاركة. ولكن إذا أخبرنا نفس الموظفين أن الشركة سوف تدرجهم تلقائيا في مثل هذه الخطة مع نفس الخصم من رواتبهم بنسبة 5% وأنهم يمكنهم سحب هذه الأموال متى شاءوا، فسوف يقبل أغلبهم الخصم من الراتب ولن يسحبوا الأموال.
ليس من الواضح ما إذا كان الكونجرس سيقر هذا التشريع. الأمر الواضح مع ذلك هو أن معدل ادخار الأسر الأمريكية منخفض للغاية، وأن التغييرات التشريعية من هذا النوع ضرورية للبدء في إعادة معدل الادخار إلى مستواه السابق.

مارتن فيلدشتاين أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد، والرئيس الفخري للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، وكان رئيسا لمجلس الرئيس رونالد ريجان للمستشارين الاقتصاديين في الفترة من 1982 إلى 1984.