آن ماري سلوتر
ستيفاني هير
إن التقدم التكنولوجي الذي شهدته السنوات الأخيرة لم يلفت انتباه الناس إلى مزايا الكمّ الهائل من المعطيات فقط، بل أيضا إلى ضرورة التكيّف مع الخطر الذي تشكّله هذه المعطيات على خصوصياتنا وحرياتنا المدنية وحقوق الإنسان. ولهذا الموضوع صلة أكثر بآخر مصدر لهذه المعطيات: أجسامنا.
وتقوم السلطات المكلّفة بتطبيق القوانين عبر العالم ببناء وسائل تكنولوجية واستعمالها للتعرّف على هويتنا من خلال مقاييسنا الحيوية بما في ذلك الوجه والبصمات والحمض النووي الصبغي والصوت والقزحية وطريقة المشي. وتستعمل معايير تحديد الهوية هذه، التي طالما استعملت في جوازات السفر وأثناء عبور الحدود، لأغراض أخرى. ومنذ أعوام، سمحنا للحكومات والشركات أن تجمع معطيات المقاييس الحيوية الخاصة بنا كلما طلبنا الحصول على رخصة سياقة أو تأشير سفر أو التجنيس أو بعض الوظائف، أو حتى عند الذهاب إلى حديقة ملاهٍ. وأصبحنا نستعمل بصماتنا أو وجوهنا أكثر فأكثر لفتح هواتفنا الذكية وأداء ثمن مشترياتنا والصعود على متن الطائرات. والحماية ضد السرقة أمر واضح: فما الجدوى من امتلاك هاتف أو سيارة أو تذكرة إذا كان مالكها الشرعي فقط من يستطيع تشغيلها؟ وعلاوة على كل هذا، فالمقاييس الحيوية يمكنها حمايتنا من سرقة هوياتنا. وهناك عوامل تبرر إيجاد أكبر مشروع في العالم للمقاييس الحيوية، ويتعلّق الأمر بحل متعدد الوسائل (القزحية والبصمات والوجه) الذي ترك تأثيرا على أكثر من بليون هندي. ويعتبره رئيس إينفوسيس، ناندان نيليكاني، الذي ترك وظيفته من أجل بناء هذا النظام، المعروف باسم آدهار، سببا في توفير الحكومة الهندية ما يقارب 9 بلايين دولار عن طريق إقصاء الهويات المزدوجة والمزورة في لوائح الحكومة للمستفيدين.
وبفضل آدهار، استعمل أكثر من نصف مليون شخص بطاقات هوياتهم الرقمية بشكل مباشر لفتح أرصدتهم البنكية، لتتمكن الحكومة من وضع أكثر من 12 بليون دولار دون الخوف من عمليات الاحتيال أو السرقة أو -وهو أمر يهم المرأة على الخصوص- عندما تتعرّض المرأة للعنف من جراء تعاطي الرجل الخمر مما يؤدي غالبا إلى ضخ مفاجئ للمال. وبالنسبة للعديد من سكان الهند الفقراء والقاطنين في قرى لم تدمج بعد في الخريطة أو في الأحياء الفقيرة، فإن بطاقة الهوية الرقمية تمنحهم هوية رسمية -تماما كما هو الشأن بالنسبة للدول المتقدمة حيث يقوم مقام ذلك رقم شهادة الضمان الاجتماعي. لكن المقاييس الحيوية تزيد من احتمالية بانوبتيكون، نظرية عالم الواقع المرير المكشوف. ولا تحاول الصين التستر عن استعمالها للمقاييس الحيوية والذكاء الاصطناعي لمراقبة سكانها. وما لا يعرفه الكثير هو استعمال المقاييس الحيوية بشكل متقدم في الديمقراطيات الليبرالية.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، أثبتت دراسة قام بها مركز الخصوصيات والتكنولوجيا في مركز القانون لجامعة جورجتاون العام 2016 أنه تم حفظ بيانات متعلقة بملامح شكل الوجه لأكثر من 117 مليون أمريكي -نصفهم تقريبا بلغ سن الرشد- في قاعدة البيانات الأمريكية المتعلقة بتطبيق القانون، التي يمكن لمكتب التحقيقات الفيدرالي الاطلاع عليها. وفي الشهر المقبل ستشرع هيئة الجمارك والمداخيل في استعمال التكنولوجيا الجديدة التي تتيح التعرّف على ملامح الوجه كجزء من برنامج الخروج البيوميتري الذي تستعمله حاليا المطارات في ثماني مدن أمريكية.
وفي المملكة المتحدة، تم حفظ البيانات المتعلقة بملامح وجه 12.5 مليون شخص لم تثبت على الآلاف منهم أية تهمة، في قاعدة بيانات الشرطة الوطنية، بينما جمعت هيئة الجمارك والمداخيل التابعة للمملكة أكثر من خمسة ملايين تسجيل صوتي دون أن يشعر المعنيون بالأمر بذلك. وشكّل هذا تحديا لقرار أصدرته المحكمة العليا البريطانية العام 2012 والذي بموجبه يتعيّن على مكتب الشؤون الخارجية إلغاء المقاييس الحيوية المتعلقة بملامح الوجه والصوت للمعتقلين الذين تم إطلاق سراحهم دون ثبوت أي تهمة ضدهم أو الذين تمت تبرئتهم وفقا للقانون الذي ينص على إلغاء الحمض النووي الصبغي والبصمات.
إن جمع المعطيات المتعلقة بالمقاييس الحيوية للأشخاص وحفظها تغير العلاقة بين المواطنين والدولة بشكل جذري. وما كان يصطلح بتسميته «أشخاص أبرياء» أصبح الآن، يسمى حسب وزير الشؤون الداخلية، أمبر رود، الذي حذّر من تداعيات هذه المقاييس، «أشخاص غير مدانين»- أي الأشخاص الذين لم تثبت عليهم أية تهمة بعد. وقوبل هذا التحول بالتحدي. ففي المملكة المتحدة، تواجه شرطة ساوث ويلز والشرطة الميتروبولية، على التوالي، منظمة مراقبة الأخ الأكبر أمام القضاء، لاعتمادهم معايير تتيح التعرّف على الهوية من خلال ملامح الوجه بطريقة أوتوماتيكية.
وفي الولايات المتحدة، تخلّت مدينة أورلاندو وفلوريدا على اختبار برنامج الحاسوب لشركة أمازون الذي يتيح التعرّف على الهوية من خلال ملامح الوجه.
ويواجه نظام المقاييس الحيوية في الهند مشاكل قضائية أيضا. فرغم أن الحكومة جعلت الخضوع لنظام آدهار أمرا اختياريا، إلا أن النظام إجباري لكل شخص يرغب في الحصول على خدمات حكومية أو فتح حساب بنكي أو الحصول على عقد لاستعمال الهاتف الخلوي. إلا أن إجبار المواطن الهندي على الخضوع لنظام آدهار أصبح أمرا مخالفا للقانون في العام 2017، عندما أصدرت المحكمة العليا قرارا أعلنت فيه أن «الحق في الحفاظ على الخصوصيات «يعتبر» جزءا أساسيا في حق الحياة والحرية الشخصية». ودافعت المحكمة على حق الحكومة في الحد من حقوق الحفاظ على الخصوصيات لأسباب قاهرة، مثل الأمن الوطني والوقاية من الجرائم والرخاء الاجتماعي، على أساس أن يكون ذلك بشكل عقلاني ويتماشى مع الهدف المتوخى تحقيقه.
والأمر المقلق أكثر، هو أن نظام آدهار ليس آمنا. ففي يناير 2018، دفع مراسلون لدى صحيفة ذا تريبيون في الهند مبلغ 500 روبية (أقل من 8 دولارات) للحصول على كلمة الدخول وكلمة السر التي مكّنتهم من الاطلاع على اسم وعنوان كل شخص مسجل في هذا النظام بالإضافة إلى رمزه البريدي وصوره ورقم هاتفه وعنوانه الإلكتروني. وبمبلغ إضافي لا يتعدى 300 روبية، كان بإمكان المراسلين نسخ البطاقات الوطنية لكل شخص والشروع في استعمالها.
وبالكاد أحدثت سنوات الاختراق المكثف للمعطيات في الولايات المتحدة الأمريكية (الذي ترك تأثيرا على شركات مثل تارجيت وياهو ولينكيدين وإنتيل وأيضا مكتب الحكومة الفدرالية لإدارة الموظفين)، وتقارير أصدرتها شركات مثل فيسبوك وجوجل التي أعطت معلومات شخصية لمطوري البرامج وأطراف ثالثة أخرى، تغييرا ملموسا. وهذا يدل على نقص في الحوافز: فعملية الاحتيال التي تطال المعلومات المتعلقة بالهوية تسبب المتاعب وتكلّف الكثير من الوقت، وفي نهاية الأمر، تتحمّل البنوك وشركات البطاقات البنكية أي عبء مالي ناتج عن هذه العمليات.
إنه لعالم مختلف من الألم عندما تكون معطياتنا البيوميترية معرّضة للخطر، فبخلاف أسمائنا أو كلمات السر فمعطياتنا البيوميترية لا يمكن تغييرها. كما أنه يصعب تصحيح الأخطاء فيها. وعندما ترتبط هذه المعلومات بمعطيات تتعلق بنا (على المستوى المادي والمهني والاجتماعي)، يمكن أن تساعد معطياتنا البيوميترية في القيام بعمليات حسابية على الحاسوب وبالتالي استعمالها لحرماننا من القروض البنكية والتأمينات الصحية والوظائف وللتعرّف على ميولاتنا الجنسية والسياسية، والتنبؤ باحتمالية ارتكابنا للجرائم- كل هذا دون علمنا. إن امتلاك هوية فريدة من نوعها ولا يمكن أن تنسى قد تكون نعمة. إلا أنه علينا معرفة وتفادي الطرق العديدة التي قد تجعل من هذه النعمة نقمة.
آن ماري سلوتر: المديرة السابقة لتخطيط السياسات
لدى وزارة الخارجية الأمريكية (2009-2011)،
ستيفاني هير: باحثة ومذيعة وزميلة
في موقع «Foreign Policy Interrupted».