زاهي وهبي
هل حقاً يُسرَقُ الشعر والأدب؟ وما هو "الحكم الشرعي" في سارق الأدب؟
نستطيع أن نفهم مسوغات رجل أعمال ناجح في لجوئه الى مَن يكتب سيرته، وكذلك الحال مع نجم أو نجمة سينمائيين، اذ ليس بالضرورة أن يكون الموهوب في دنيا الأعمال أو التمثيل أو الغناء موهوباً في الكتابة، لذا فإنه يضطر الى مَن يصوغ له أفكاره ومروياته. ظاهرة المحرر الأدبي شائعة في الغرب ويلجأ اليها كثيرون ممن لم يحظوا بنعمة الكتابة لكي يكتبوا تجاربهم وخبراتهم. دور النشر الشهيرة تعتمد أيضاً محرراً أدبياً يدقق ويعيد صياغة ما يستوجب صياغته مجدداً حتى لو كان مؤلفوه من كبار الكتّاب. للأسف ظاهرة المحرر الأدبي غير معروفة في العالم العربي، تكتفي دور النشر الكبرى بمدقق لغوي يصحّح الأخطاء الإملائية والمطبعية، لكنه لا يتدخل في صياغة النص على الإطلاق. كسل دور النشر العربية وبخلها من جهة وغلواء الكتّاب و"أنواتهم" المتورمة من جهة ثانية تحول دون الاستعانة بالمحرر الأدبي الذي نرى وجوده ضرورياً في ظل اتساع دائرة النشر وكثرة الراغبين في أن يكونوا مؤلفين وهم لا يمتلكون العدّة الكافية لهذا الأمر.
كثرة دور النشر وعدم اعتماد معظمها المدقق اللغوي معطوفة على كثرة "الكتّاب" الذين لا يمتلكون العدّة المشار اليها، أي الملكة اللغوية التي تخولهم كتابة نص محكم وخالٍ من الأخطاء. هذه الحال المزرية تجعلنا نقع على مئات الكتب العربية الصادرة سنوياً وهي ملأى بالأخطاء، متصفة بالركاكة والرثاثة، خصوصاً وأن دور نشر كثيرة باتت توافق على طباعة وتوزيع أي كتاب مهما كان مضمونه ومستواه طالما أن صاحبه قادر على دفع كلفة طباعته، هذه ظاهرة سلبية جداً نظراً لانعكاسها السيء على مستوى المادة المنشورة سواء كانت أدبية أو علمية، اذ أن للنشر ظوابط ومعايير لا ينبغي التهاون فيها ولا التغاضي عنها. ألا تكفينا نسبة الأمية المرتفعة في وطننا العربي ونسبة القراءة المنخفضة جداً حتى في أوساط المتعلمين الذين تسود بينهم أمية ثقافية تجعلهم يظنون أن العلم والثقافة يُحصران بالشهادة المعلقة على جدار البيت أو المكتبة. ثمة مفارقة مضحكة مبكية في آن حيث يكاد عدد الكتّاب العرب يضاهي عدد القرّاء، بل أن بعض الشرائح والأوساط تنظر الى مَن يقرأ كتاباً في مقهى أو حديقة عامة بشيء من السخرية وكأن العيب في القارىء والقراءة لا في الرؤوس الفارغة التي لا تقدّر أهمية القراءة وضرورتها.
نفتح هلالين لنشير الى ما كتبناه الأسبوع الماضي عن ضرورة تحديث مناهج التعليم في الوطن العربي، وجعلها مناهج عصرية على صلة بالمستجدات والمستحدثات، وربطها بسوق العمل كي لا تظل الجامعات العربية تخرّج عاطلين عن العمل وتساهم في رفع معدلات البطالة عِوَض مساهمتها بخفض تلك المعدلات، وبمقدار ما هي ضرورية وملّحة مسألة تحديث المناهج التعليمية وإلزامية التعليم ومجانيته فإن مسألة الثقافة العامة لا تقل إلحاحاً، هذه مسؤولية البيت والأسرة قبل المدرسة والجامعة. يوم كنّا تلامذة على مقاعد خشبية بالية كان ثمة حصة تدعى المطالعة، هدف تلك الحصة تعويد التلامذة على القراءة، لسنا ندري ان كانت مدارس اليوم تخصص أوقاتاً للقراءة، واجبها أن تفعل، وواجبها أيضاً أن تعوّد تلامذتها على البحث والتنقيب وإعداد الملفات المتنوعة واستخلاص النتائج والعبر عِوض الاكتفاء بتعويدهم على الحفظ الببغائي الذي لم يعد له جدوى في عالمنا المعاصر.
نعود الى ما بدأنا به هذه الأسطر، بشأن نظرتنا لظاهرة المحرر الأدبي بل ومطالبتنا بضرورة وجوده، خصوصاً في ما يتعلق بروايات السِّير والتجارب وما شابهها، لكن ما لا نستطيع فهمه واستيعابه أو تبريره هو لجوء البعض، لا سيما ممن يملكون المال الوفير، الى انتحال صفة شاعر عبر استئجار مَن يكتب لهم قصائدهم فيما يكتفون بوضع توقيعهم عليها، ولئن كان طرفا العملية يتحملان المسؤولية الأخلاقية عن خداع القرّاء والمتلقين، فإننا قد نجد بعض الأسباب التخفيفية (غير المبررة أخلاقياً) للشاعر الذي يرضى بالتخلي عن قصائده لمصلحة سواه وذلك بفعل الحاجة والعوز، أسباب لا نجدها لدى منتحل الصفة حتى لو كان التبرير أنه يحب الشعر ويهواه، ولولا عشقه للشعر وشغفه بالشعراء لما سعى للانتساب اليهم ولو زوراً وبهتاناً. اذ يظل الجرم كبيراً لأنه عبارة عن غشٍّ موصوف للقراء وللذاتيْن: ذات الشاعر الحقيقي صاحب النصوص، وذات الشاعر الوهمي أو الافتراضي.
على سيرة الافتراضي فإن مواقع التواصل الاجتماعي مكتظة بالسرّاق الذين يتابعون أدباء وشعراء وكتاباً موهوبين، ويعمدون الى سرقة نصوصهم وتغريداتهم من دون أن يكلفوا أنفسهم عناء الإشارة الى مصدر تلك النصوص وأسماء مؤلفيها الفعليين، ولسنا نفهم غاية هؤلاء، يظنون أنهم يضحكون على الناس فيما هم يضحكون على أنفسهم ليس الا. تستطيع أن تسرق قصيدة، جملة، عبارة، لكنك قطعاً لن تستطيع سرقة شعور أو احساس أو شغف، الكتابة قبل أن تكون كلمات وعبارات هي مشاعر وأحاسيس وأفكار وحالات نفسية وروحية وفكرية يعيشها صاحبها ويسكبها حبراً على ورق، بل عصباً وشغفاً ونبض قلب، هيهات أيها السارق أن تسرق حالة أو شعوراً.
السرقات الأدبية ليست طارئة أو جديدة وهي تقودنا الى مسألة حقوق الملكية الفكرية التي نعود اليها لاحقاً.