باريس - هدى الزين
ما يميز باريس مقاهيها المفتوحة على الضوء والشمس، إذ تعد مكانا للقاء والسهر وتناول أطراف الحديث وهي أيضاً تعكس ذوق الفرنسيين وحبهم للخروج من بيوتهم إلى المقاهي التي ما ان تطل الشمس حتى تغرد كراسيها وطاولاتها في الشارع ليصبح الناس على موعد مع الشارع والطبيعة وحركة الناس.
والمقهى في باريس هو الاستراحة والموعد والثقافة والتاريخ والسياسة والأدب، ومن حب الفرنسيين للمقاهي يقال ان بين كل مقهى ومقهى يوجد مقهى آخر.
وكلنا يذكر كيف كان مقهى (الفلور) وديماغو في حي سان جيرمان في باريس، المكان التاريخي الذي انطلقت منه الحركة الوجودية، بممثليها الكبيرين جان بول سارتر وصديقته سيمون دو بوفوار.
كما ان هناك العديد من الكتاب والفنانين العرب الذين تأثروا بالمقهى وجسدوه فى كتاباتهم واشعارهم ولوحاتهم فنية التي خلدت ذكرى هذه المقاهي، مثل الفنان البهجوري الذي رسم الفين لوحة في كراساته وكتب ذكرياته وحكاياته في المقاهي الباريسية.
لذلك نجد في تاريخ الأدب ان المقهى لعب دوراً مرموقاً في تجميع الأدباء، والشعراء، والفنانين، والمفكرين، حتى تحوّل المقهى إلى أكاديمية ثقافية.
المثقفون العرب والمقاهي الادبية
ومن المعروف ان الكثير من الكتاب والفنانين العرب تاثروا باجواء المقاهي الباريسية مثل طه حسين وتوفيق الحكيم وسهيل ادريس وعبد الرحمن البدوي وهم من خلال معيشتهم في باريس ارتادوا هذه المقاهي وتأثروا بأجوائها ومناخاتها الثقافية لاسيما المقاهي في الحي اللاتيني، ومنها مقهى كلوني الذي يواجه جامعة السوربون العتيقة والذي كان يعدّ فيه الطلاب رسائلهم الجامعية.
وفالفنان جورج البهجورى الذى عاش فى باريس لسنوات طويلة والفنان صلاح عنانى وزهران سلامه ودان مكاو الذى كان مغرما بتصوير المقهى الفرنسي فى أعماله، وقد لعب المقهى الباريسي دورا هاما فى تصوير ملامح الحياة الاجتماعية والسياسية والفنية، وتنوعها وزخمها في عاصمة النور باريس.
وكان الكاتب المصري الراحل البير قصيري من اشهر رواد المقاهي الباريسية في الحي اللاتيني وكان القصيري صديق المثقفين العرب والفرنسيين ومنهم الشاعر العماني سيف الرحبي، الذي يعبر عن هذه العلاقة قائلا: صحيح أن هناك روابط خفيّة يمكن وصفها بـ«العائليّة» من شأنها أن تجمعنا بهذا الأديب الذي ينتمي إلى سلالة منقرضة في باريس، الحي اللاتيني.
قاهرته المتخيّلة، ناسه الغلابى السعداء على طريقتهم، وغير ذلك من شحاذين ومهرّجين، وتنابل، ولصوص ظرفاء وباعة متجولين، حالمين ومهمّشين، اللغة المتقشفة الجذلى التي كتب بها أعماله القليلة، وغاليري الشخصيات والوجوه التي خيّمت على عالمه، الخروج عن القواعد والثوابت والقيم المهيمنة. التسكّع، لا شيء إلا التسكّع، الكسل كفلسفة وجود، والجلسات الطويلة في مقاهي الرصيف العريقة، المطلّة على العالم، من بولفار سان جيرمان دي بري...هناك كان من السهل استراق النظر إليه، بمزيج من الدهشة والإعجاب، غالباً من خلف واجهة ال«فلور» أو من طاولة مجاورة في «لي دو ماغو».
ويكتب الكاتب المصري الراحل البير قصيري عن المقهى الذي احبه: يؤلمني ان ارى كيف تحول مقهى فلور إلى مكان ضاج بالسياح السذج الذين يأتون لزيارة معارض الألبسة الجاهزة في بورت دي فيرساي، هذه المقاهي التي كانت تعج ذات مرة بالنقاشات والمناظرات وصعود التيارات الفكرية، مثل الوجودية والسريالية والدادائية وغيرها.
الشاعر الفلسطيني الراحل سميح القاسم له ايضا مقاهيه في باريس ولندن والمقهى هو اكثر الامكنة المحببة اليه في اسفاره وترحاله، اما الرسام جورج البهجوري فهو مدمن المقاهي كما يصفه اصدقاءه، وهم يجدونه مسترخيا متأملا على طاولة في مقهاه المفضل امام نصب سان ميشيل في الحي اللاتيني يتمتع بالشمس الهزيلة الدافئة ويرسم او يتعرف على وجوه المقهى بالحديث والتحية ومعظم جراسين المقهى ورواده الدائمين من اصدقاءه وهو بالنسبة له مكان الابداع والتأمل، قال لي: لقد رسمت كراسات كثيرة حتى وصلت رسوماتي الى اكثر من الف كراسة، معظمها من وجوه رسمتها في المقهى، وبالنسبة لي كل وجه يحمل لي لغزه وسره الخاص.
مقهى كلوني الباريسي يقدم "البيتزا" بدل "الثقافة"
في باريس عرف مقهيان اثنان أكثر من غيرهما من قبل العرب."الفوكيتس" و"كلوني"، إذ يقع الأول في جادة "الشانزليزيه" ويوجد المقهى الآخر في مكان تقاطع شارعين اثنين من تلك التي تشق الحي اللاتيني هما شارعا "سان ميشيل " و" سان جرمان"، هذا المقهى الشهير الذي تحول الى مطعم للبيتزا، والذي استوحيت منه كتابي (يوميات عربية في باريس ورواية غابة من الشوك حيث كتبت جزءا كبيرا منهما وكنت أجتمع بالكتّاب والرسامين العرب مثل جورج البهجوري الذي كان يستوحي من وجوه زبائنه رسم اسكيتشاته، والدكتور خليل النعيمي والروائي حبيب السالمي والشاعر العماني سيف الرحبي، وكان هذا المقهى يعتبر جزءا من الذاكرة الثقافية العربية وقهوته طيبة المذاق والرخيصة ولأنه المقهى الباريسي الوحيد الذي كان يسمح لعرب باريس من المثقفين بالثرثرة طوال النهار دون أن يطلب إليهم هذا النادل أو ذاك الانصراف عنه وهذا المقهى الشهير الذي تحول الى مطعم سياحي للعابرين كان قد شهد الطابق السفلي منه مساجلات المثقفين العرب الذين كانوا يحتلون نصفه على الأقل طوال اليوم ليتخاصموا ويتناقشوا أحيانا بشأن انتماءاتهم السياسية والأيديولوجية، وجوه ادبية عديدة عرفتها المقاهى الباريسية العريقة من الادباء والشعراء والفنانين العرب نذكر المفكر عبد الرحمن البدوي، وطه حسين وتوفيق الحكيم وسهيل ادريس والبهجوري والدكتور العجيلي والبير القصيري وقيل إن الروائي المصري الراحل نجيب محفوظ كتب عملا إبداعيا جديدا سماه "ثرثرة في مقهى كلوني" في إطار ثلاثية تجمع أيضا "ثرثرة فوق النيل" و"ثرثرة فوق دجلة"..هذه المرحلة انتهت منذ سنوات منذ أن تحول مقهى كلوني إلى بيتزا تحمل اسم "ديلارتي.
الشاعر العماني سيف الرحبي من اهم رواد المقاهي الباريسية في الحي اللاتيني منذ اقامته الباريسية وعودته اليها بين سفر وآخر، يقول عن تجربته مع المقهى الباريسي: كنا في ذلك الزمن الجميل أيام حياتي الباريسية نصول ونجول في مقاهي الحي اللاتيني انا واصدقائي، وكنا نكتب ونقرأ في المقاهي اكثر مما نكتب في البيت، لان في باريس كنا نعيش في بيوت ضيقة.
اما المقاهي قهي شاسعة وفيها زوايا هادئة واجواء روحية ونفسية.
ويقول الرحبي: المقهى الادبي هو مكان تجمع الادباء والمفكرين والفنانين العرب من مختلف المناطق العربية من مشارقها الى مغاربها على مدى السنوات وحتى اليوم واجمل ذكرياتي كانت في مقهى كلوني الذي تحول للأسف الى مطعم للبيتزا.
كنا نلتقي فيه بأصدقاء نعرفهم من زمن او اصدقاء جدد نتعرف عليهم، وكان كلوني نقطة تجمع خصوصا وانه من دورين وواسع ويوجد به اماكن هادئة بإضاءة خفيفة وزوايا مختلفة وكأنه مكان ادبي وثقافي مهيأ في أجوائه وزواياه للعمل الابداعي والفكري وللقراءة والكتابة.
ويضيف الرحبي: أذكر انه كان يتواجد فيه المسرحي العراقي حميد محمد جواد الذي يحضر من الساعة السابعة صباحا وحتى المساء يقرأ ويكتب، ومع الاسف انه لم يترك اثرا مطبوعا رغم انه كان يشتغل بصورة مستمرة واذكر ايضا المثقف (القادر بابكري) الذي يمتلك ثقافة عميقة عربية وفرنسية ولكنه ايضا لديه النزوع السوقراطي في الزهد بالكتابة، ربما له وجهة نظر بالابتعاد عن الاضواء والشهرة والزهد بهذه المسائل.
ويشير الرحبي: لان باريس تظل عاصمة للثقافة العالمية فما آلمني الان بعد ان عدت اليها بعد غياب طويل ذلك الزحف الاستهلاكي على الاماكن التي تحمل بعدا ثقافيا وفكريا والتي تسمى المقاهي الادبية، هذه المقاهي الرائعة كنا نكتب فيها ونتناقش واذكر من اصدقائي عشاق المقهى الكاتب والاعلامي عيسى مخلوف الذي كان يداوم في مقهى غيرغوردين وكذلك الراحل الاعلامي اللبناني سمير قصير الذي كان يكتب ويقرأ به، والذي آلمني جدا اغتياله في لبنان وكذلك من رواده جميل حتمل ويوسف عبدلكي الفنان التشكيلي وتعرفت في مقهى كلوني على د.الروائي خليل النعيمي والروائي العراقي صموئيل شمعون وصالح الاشمر وهيام وهبي والقائمة تطول، كما صادفت مرة الفنان حلمي سالم وكنت لم التقيه منذ سنوات.
وللكاتب والصحافي حسن عبدالله علاقة حميمة بالمقهى، فهو نزيل المقاهي ولا ينافسه أحد في هذا المجال، يصف العلاقة مع المقهى قائلاً: «هي حياة وأكثر قليلاً».يضيف: «منذ صيدا في السبعينات إلى بيروت في الثمانينات الى باريس في التسعينات، حصدت المقاهي رصيفا رصيفا، كان ذلك انتماء إلى فضاء حر.
المقاهي في فرنسا بعد أن أفل منها الأدب والثقافة وأصبحت مكان استراحة ولقاء وفرجة على الناس، فهو مكان مختار وجيد للقاء الأصدقاء والأحباء، والآن ظهرت مقاه عربية تقدم (الشيشة) أو النارجيلية وتحمل الأجواء العربية والشرقية حيث الديكور شرقي والأغاني تعيد لنا طرب أيام زمان.
أما المشروبات فهي المشروبات العربية المعروفة مثل السحلب والقهوة التركية والشاي الأخضر بالنعناع واليانسون والحلبة وغيرها.
وقد افتتحت العديد من المقاهي الشرقية في مختلف أحياء باريس، منها مقهى (أم كلثوم)، ومقهى بغداد، ومقهى القاهرة..
وهي ملاذ محبب للطلبةوالسياح الأجانب والسياح العرب للتمتع بالشيشة والمعسل الطيب مع أجمل أغاني أم كلثوم وفيروز والأغاني العراقية الأصيلة.
مقاهي الشيشة تغزو باريس
المقهى يعتبر للعرب استراحة المتعبين وموعد المحبين، ومكان جميل للقراءة والكتابة والتأمل، فهو مفتوح للشمس والهواء على عكس (البوب) البريطاني المغلق والمعتم والموحي بالكآبة، فالمقهى هو مكان أدب وفن وثقافة وحوار وتأمل، وأنا أُعدّ واحدة من رواد المقاهي الباريسية التي يعرفنني فيها أصحابها والعاملون فيها معرفة جيدة على كثرة ترددي عليها لذلك يقدمون لي القهوة دون أن أطلبها، فهم يعرفون أن طلبي دائماً هو فنجان قهوة اكسبيرسو، وجلسة تأمّل للعابرين، وسلام لمعارف وأصدقاء قد التقيتهم بعد غياب طويل ولي في كل حي مقهى، ولي في كل مقهى ذكرى، أو كتابه أو موعد عمل.
المقاهي في فرنسا بعد أن أفل منها الأدب والثقافة وأصبحت مكان استراحة ولقاء وفرجة على الناس، فهو مكان مختار وجيد للقاء الأصدقاء والأحباء، والآن ظهرت مقاه عربية تقدم (الشيشة) أو النارجيلية وتحمل الأجواء العربية والشرقية حيث الديكور شرقي والأغاني تعيد لنا طرب أيام زمان.
أما المشروبات فهي المشروبات العربية المعروفة مثل السحلب والقهوة التركية والشاي الأخضر بالنعناع واليانسون والحلبة وغيرها.
وقد افتتحت منذ سنوات العديد من المقاهي الشرقية في مختلف أحياء باريس، منها مقهى (أم كلثوم)، ومقهى بغداد، ومقهى القاهرة، ومقهى زهرة الصحراء وغيرها.
وقد اصبحت ملاذا محببا للطلبة والسياح الأجانب والسياح العرب..للتمتع بالشيشة والمعسل الطيب مع أجمل أغاني أم كلثوم وفيروز والأغاني العراقية الأصيلة.