شعوب تولتهم النساء..

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٨/يوليو/٢٠١٨ ٠٢:٥٩ ص
شعوب تولتهم النساء..

لميس ضيف

ماذا يقول الآن من كرروا الحديث الشريف «ما فلح قوم ولوا أمرهم امرأة» دون وعي. وأردفوه أن المرأة "ناقصة عقل ودين" بثقة مبتلاة بثمالة الجهل وهم يسمعون العالم يتغنى بـ "كالينداجاربار" التي تسلمت كرواتيا وهي دولة مفلسة، وأخذت بيدها للتطور عبر اقتطاع ثلث راتبها، وبيع الطائرة الرئاسية وتخفيض مخصصات الوزراء والسفراء ومحاربة الفساد وقالت لشعبها "لن نقترض من البنك الدولي ولو متنا جوعا".
ماذا يقول هؤلاء في حضرة "تيريزا ماي" التي، ورغم استيائنا من براغماتيتها، تحكم فعليا أعرق دول العالم وتسقط خصومها كبيادق الشطرنج. ومثلها أنجيلا ميركل الكيميائية التي غيرت وجه أوروبا لا ألمانيا وحدها.
وما رأيهم في "إيلنسيرليف" رئيسة ليبيريا، التي حصلت على جائزة نوبل للسلام. و "داليا غريباوسكايتي" أول رئيس لليتوانيا ينتخب مرتين، وهي من استحقت في بلدها لقب المرأة الحديدية لنجاحها في إنقاذ بلدها مرات ومرات من براكين المؤامرات وزلازل الاقتصاد.
هل لديهم ما يقولونه حقا في حضرة هؤلاء الأقوام الذين "أفلحوا" بولاية المرأة فيما "خسر" بعض ممن ولوا الرجال خسرانا مبينا؟!
دفع المسلمون في كل أقطار العالم ثمن التفسيرات العشوائية والمنحازة للشرع المقدس. ومن رددوا هذا الحديث بسذاجة، أو بخبث، على مدار سنوات لحجب النساء على الولايات العامة تغاضوا عن مناسبته وحدثه. يقول المفكر الإسلامي المعروف د.محمد عمارة إن الولاية بكسر الواو وفتحها هي النصرة وكل من ولي أمر الآخر فهو وليه. وأن الحديث قيل عندما وفد نفر من بلاد فارس للمدينة فسألهم الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم: من يلي أمر فارس؟ فعندما عرف أنها امرأة قال نبوءته السياسية التي تحققت بعد سنوات قليلة والتي تتحدث عن زوال ملك فارس ولم تكن تشريعا كما روج البعض على مر العقود. فالقرآن الكريم أثنى على ملكة سبأ وهي امرأة، وذم فرعون وهو رجل، وكلاهما قد ولي أمر قومه فأما بلقيس فآمنت بالشورى والعمل المؤسسي بشكله المبدئي أما فرعون فعمل بحكم الفرد فأصبح آية وعبرة للمتكبرين عبر العصور. إن الولاية العامة، وصنع القرار، والعمل في القضاء والشورى كلها أمور أنكرتها المجتمعات الإسلامية على النساء قياسا على حديث واحد جاء في سياق محدد. وتلك هي عادة المدلسين الذين دسوا السم في أفكارنا وربونا على تقبل الأصفاد التي جعلت حياة "شيخة حسينة واجد" رئيسة وزراء بنجلادش قاسية رغم كونها أكثر النساء تأثيرا في العالم، فهي تنجو من محاولات اغتيال لتتعرض لمؤامرات وانقلابات الجيش. ولم تكن حياة "بناضير بوتو" رئيسة وزراء باكستان أسهل منها. فقد حملت لوطنها أحلاما كبيرة، وواجهت مؤامرات خطيرة، انتهت باغتيالها في سبتمبر 2007 بتورط أكبر الشخصيات وغسل موقع اغتيالها فورا لمسح كل الأدلة ولكن عار التخلص من رئيسة فذة مثلها لم يُغسل أبدا.
إن الشرع المقدس كامل ولكن أتباعه وكثيرا من منظريه ناقصون ويحملونه نقصهم وعقدهم وإرث ما وجدوا عليه آباءهم الأولين. لتأتي التجارب الإنسانية لتصفعهم مرة بعد مرة، وتثبت زيف ما فرضوه علينا من مفاهيم مرة تلو مرة.