ماذا نريد من وزارة القوى العاملة

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٥/مارس/٢٠١٦ ٠٠:٢٥ ص
ماذا نريد من وزارة القوى العاملة

علي بن راشد المطاعني

ماذا نريد من وزارة القوى العاملة؟، سؤال يطرح ذاته من خلال المطالبات المتناقضة التي يطرحها البعض، فهل نريد ونسعى إلى ضبط سوق العمل والحد من القوى العاملة الوافدة؟، أم نغرق البلاد بالقوى العاملة الوافدة حتى الثمالة؟، هل الأولى لنا أن بتوظيف أبناءنا الخريجين والخريجات؟، أم سنخدم كافة السبل من أجل الحصول على مأذونات توظف المزيد الأجانب؟، يعتقد البعض أن الإجابة على هذه الأسئلة من السهولة بمكان، لكن الممارسات على الأرض تقول غير ذلك، وتوضح مدى التناقض الذي يتعاطى معه الأشخاص، فمن ناحية يسعون إلى توظيف أبناءهم وبناتهم، وفي ذات الوقت يطالبون بتيسير الحصول على مأذونيات للعمالة الوافدة في مشاريعهم الخاصة، وهو تناقض يرتبط بالمصالح الوقتية، ويبرز من عدم قراءة الواقع بشكل سليم، والاكتفاء باللهاث خلف المصالح الشخصية التي تجعل البعض يقاتل كي يحصل على استثناء لتوظيف هذا الوافد أو ذاك.

إن تلك الممارسات تزيد الأعباء على وزارة القوى العاملة، ففي حين يلوم البعض على الوزارة بأنها تشدد إجراءات استقدام العمالة، وينعتها بوضع العراقيل في الإجراءات، ويستدعي النظريات الاقتصادي لإتاحة فرص العمل للجميع، بل يصل الحد إلى اتهام الوزارة بأنها عقبة في طريق التقدم الاقتصادي، وسبب لهروب الاستثمار والمستثمرين، نرى البعض الآخر يكيل لها الاتهامات فهي تتساهل في جلب العمالة الوافدة، الذين يأخذون فرص عمل كان الأولى أن يتم منحها للخريجين والخريجات في المؤسسات والشركات الخاصة، كما يتهمها البعض بمحاباة رجال الأعمال، والسعي الدائم إلى إرضائهم، حتى ولو كان ذلك على حساب الباحثين عن عمل من شباب السلطنة.

وفي ظل هذه التجاذبات والشد والجذب ماذا يمكن أن تفعل هذه الوزارة، بل وكيف يمكن أن تعمل في وسط هذه الظروف الصعبة، وفي هذا المناخ من الاتهامات التي تلقى دون مراعاة الأوضاع الاقتصادية، أو دون النظر بجهود الوزارة التي تسعى للموازنة بين مصالح المستثمرين وتذليل الصعاب لديهم، بهدف فتح آفاق جديدة للاستثمار يوفر المزيد من فرص العمل للمواطنين والمواطنات، وما بين مخرجات التعليم السنوية التي تدفع لسوق العمل الآلاف متعطشين لبدء عملهم، فهي كما يقال بين المطرقة والسندان، مطرقة المجتمع الذي يطالب بحد من إغراق البلاد بالعمالة وسندان القطاع الخاص الذي هو أيضا جزء من المجتمع الذي يطالب بترك الحابل على الغارب له يعمل كما يشاء، بحجة دفع الاستثمار، الأمر الذي يفرض بلورة توجهاتنا وتحديد متطلباتنا وأولوياتنا.

فبلاشك أن وزارة القوى العاملة في وضع لا يحسد عليه في ظل هذه الظروف وتعارض المصالح وتباين التوجهات، بل يزيد الأمر تعقيدا رغبة كل طرف تكيف الأمور حسب رغبته بدون مراعاة للطرف الآخر أو المصالح العليا للدولة، فكيف يمكن التوفيق بين أطراف يمكن القول بأنها متنازعة المصالح؟، وكيف يمكن أن تعمل أي جهة في مثل هذه الأوضاع؟، خصوصا وهي الجهة المطالبة بتحقيق بيئة مناسبة لسير الأعمال، إنها معادلة شديد التعقيد، وتحتاج إلى وعي مجتمعي بأهمية ودور الوزارة، وقراءة جيدة للواقع الاقتصادي، بالإضافة إلى تجنيب الأنا، والنظر فقط إلى المصلحة العليا للبلاد والعباد.

فلذا فالنصيحة الواجبة للوزارة التي تدير مليونين عامل عماني ووافد وعمال خاصين، والتي تملك بيانات أو ملفات مليوني شخص، وأكثر من 200 ألف شركة ومؤسسة، وأكثر من 100 ألف باحث عن عمل، ومن واجبها التعامل مع هذا الكم من البشر والشركات، لكل منهم مصالح متعارضة وتوجهات متباينه ومشكلات كثيرة، أن تسعى للتوفيق بين كل تلك المطالبات عبر بوصلة واحدة فقط هي مصلحة الوطن العليا. وهو ما تسعى إليه وزارة القوى العاملة بالتأكيد، وحرصها على مراعاة ذلك كله وتطويعه مع توجهات حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - في هذا الشأن، لكن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، فكيف يكون لها أن تقوم بكل ذلك بالشكل الأمثل، ولا تمتلك من الإمكانيات إلا القدر القليل. فالإحصائيات تشير إلى أن عدد موظف الوزارة لا يواكبون الكم الهائل من الأعباء الملاقاة على عاتق تلك الوزارة التي تسعى بكل جهد إلى الاستعانة بالأفكار والتقنيات الحديثة للتوفير مناخ جيد للعمل في السلطنة يحفظ حقوق جميع الأطراف، دون أن يغول طرف على طرف من أطراف معادلة العمل.
لكن اشد ما يحز في النفس ويحزنها قيام البعض بممارسات تضر بالاقتصاد الوطني، عبر إعطاء الوزارة بيانات ومعلومات غير دقيقة عن طلباته واحتياجاته، كما يسعى البعض بالتحايل في معاملاته وتطبيقه للنظم والقوانين في البلاد، ضارب عرض الحائط المبادئ والقيم والمصالح، كما يضغط البعض بكل الطرق للحصول على عمالة، ويعمل المستحيلات من تحقيق رغباته حتى وإن كان غير مستوفي للشروط، والمتطلبات المطلوبة للأسف، ‏إلا أنه لا يترك مسؤول إلا واشتكى معه، وقص عليه حكاياته الطويلة والعريض، بهدف التهرب عن التزام وطني بتوظيف كواد وطنية، هي المستقبل، وهم أبناءنا الذين سيحافظون على ثروات ومقدرات عُمان في المستقبل. بالطبع نرى من الأهمية الوزارة أن تسهل الإجراءات إلى أقصى حد وتمهل ولا تهمل في ضبط سوق العمل في البلاد، وهي ماضية في هذا الاتجاه، لكن يجب أن يتفهم الجميع مسؤولياته اتجاه عن الوطن ومواطنيه.
نأمل أن يتفهم الجميع أهمية ضبط سوق العمل والنهوض بهذا الجانب لمصلحة البلاد والعباد، ويتفهم إجراءات القوى العاملة كجهة بين المطرقة والسندان، بل نضع انفسنا مكانها كيف يمكن أن نتصرف في مثل هذا الظروف والأوضاع التي تطلب التضحيات والشفافية في طلباتنا ومنطقية في تعاملاتنا.