صديقة السلاحف

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٦/يوليو/٢٠١٨ ٠٤:٥٥ ص

سكوت بريستون

في الوقت الذي يبدأ العلماء دق ناقوس الخطر محذّرين من الأثر السلبي للأنشطة البشرية على المحيطات، توجد امرأة واحدة في لبنان تقاتل لدفع أولى جهود المحافظة على البيئة البحرية في البلد وإنقاذ السلاحف المهددة بالانقراض.

في سن السبعين، ما تزال منى خليل عازمة على حماية السلاحف البحرية المهددة بالانقراض والتي تعشش على الشاطئ العام خارج منزلها في جنوب لبنان. وبمساعدة مجموعة مختارة من زملائها المختارين على مدى السنوات الثمانية عشر الفائتة، قادت هذه المرأة أولى جهود الحفاظ على الحيوانات البحرية في البلد.

بدأت منى نشاطها في مطلع الألفية عندما قررت العودة من هولندا إلى لبنان. وفي ذلك الوقت، كانت المنطقة مُحتلة من قِبل قوات الاحتلال الإسرائيلي. ورغم ما يكتنفه الأمر من مخاطر، أخبر منى حدسُها بأن التغيير قادم، فقررت الانتقال إلى منزل أسرتها في قرية المنصوري الساحلية.
في غضون ثلاثة أشهر، انسحب الجيش الإسرائيلي وتحرر الجنوب اللبناني وكذلك الشاطئ العام قرب مسكنها. آنذاك، كانت منى مشغولة بترميم منزل أسرتها المهجور، كما كانت تبذل قصارى جهدها لرعاية السلاحف البحرية على الساحل. وقبل انقضاء وقت طويل، تلقت منى اتصالاً من جمعية البحر المتوسط لإنقاذ السلاحف البحرية، وهي منظمة دولية غير حكومية كانت مهتمة بمعرفة المزيد عن عملها.
تحكي لنا منى عن هذا الأمر بنبرتها القوية قائلة: «لقد أرسلت إليهم بعض الصور، وكانت إحدى هذه الصور لسلحفاة خضراء، مما أثار دهشتهم الشديدة. كان مبعث اندهاشهم أن السلاحف الخضراء مهددة بالانقراض. فعلى سبيل المثال، يبلغ طول هذا الشاطئ 1.4 كيلومتر فقط، وهو شاطئ رملي تضع فيه السلاحف بيضها. فحتى إذا كان يوجد ثلاثة أعشاش وحسب للسلاحف الخضراء، سأكون سعيدة للغاية، وإن كانت البقية من نوع السلحفاة البحرية ضخمة الرأس واسعة الانتشار. فهناك نوعان من سلاحف البحر المتوسط يأتيان إلى هذا الشاطئ، وهذا هو السبب في مدى أهمية هذا الأمر».
ومع انتشار هذا الخبر، أُضيفت لبنان رسميا إلى قائمة الدول المتوسطية التي تستضيف هذه السلاحف النادرة. وعلى مدار السنوات الثلاث التالية، تلقت منى دورة تدريبية مكثَّفة حول المحافظة على هذه السلاحف، كما أرسلت المنظمات الدولية اختصاصيي الأحياء البحرية إلى جنوب لبنان. لقد علّموها كيفية حماية الأعشاش من الحيوانات المفترسة واحتضان السلاحف الصغيرة الضعيفة حتى تصير بصحة جيّدة بما يكفي لإطلاقها. وفي الوقت نفسه، حوَّلت منى فيلتها إلى منزل ضيافة بنظام الإقامة والإفطار، وأطلقت عليه اسم «أورانج هاوس» أو «البيت البرتقالي»؛ وذلك لتوفير مصدر دخل ثابت لأنشطتها.
في فصل الصيف، تهتم منى بنحو 50 عُشا تأوي في المتوسط من 5000 إلى 6000 سلحفاة صغيرة كل عام. ويُعتبر هذا العدد كبيرا باعتبار عدد الأعشاش. ويزيد عدد السلاحف بسبب أعداد السلحفاة البحرية ضخمة الرأس في المنطقة والتي يمكّنها حجمها الضخم من وضع المزيد من البيض.
من أهم أسباب وجود العديد من أعشاش السلاحف على هذا الشاطئ التعديات البشرية على موائل السلاحف الطبيعية القريبة. ورغم وجود محمية شاطئ صور الطبيعية جهة الشمال، حيث تُبذل جهود مماثلة للمحافظة السلاحف، فإن انتشار الأكشاك الشاطئية التي تلبي احتياجات زائري الشاطئ في الصيف مع تشغيل الموسيقى وتقديم الطعام والخدمات الأخرى قد أفزع العديد من السلاحف. وبحثا عن بيئات تعشيش أكثر ملاءمة، انتقل الكثير من السلاحف إلى «البيت البرتقالي» بدلاً من موائلهم الطبيعية.
ولكن يوجد الآن خطر محدق بنشاط منى خليل! فهناك منتجع جديد سيُفتتح قريبا على جزء من الشاطئ، مما قد يؤدي إلى انتقال العديد من السلاحف البحرية المهددة بالانقراض جنوبا إلى إسرائيل. وبكل شجاعة، بدأت منى حوارا مع أصحاب المشروع الجديد، وتأمل في أن يؤدي هذا الحوار إلى إيجاد بيئة أكثر ملاءمة للسلاحف.
بالنسبة إلى منى، تتعلّق المسألة بالعديد من ذكرياتها الخاصة على مرّ السنين، حيث تابعت تحقيق حلمها في الحفاظ على الكائنات المهددة بالانقراض. وفي هذا الشأن، تقول منى: «إنني أحفظ تجربتي هذه في صميم ذاكرتي، فأنا أتميّز بذاكرة فولاذية، فأنا لا أنسى، ولذا فإنني ما زلت أحفظ كل تلك الذكريات، سواء الذكريات الحلوة أم المرّة، السعيدة أم الحزينة. كل يوم كان يوما خاصا بالنسبة إليَّ، كل يوم كان هناك شيء جديد يحدث. كل يوم كانت الطبيعة الأم تعلّمني درسا جديدا. فكنت أستيقظ كل يوم كطفل ذاهب إلى المدرسة».