أدم..ملتقى قوافل رحلتي الشتاء والصيف

مزاج الاثنين ١٦/يوليو/٢٠١٨ ٠٤:٤٨ ص
أدم..ملتقى قوافل رحلتي الشتاء والصيف

مسقط - خالد عرابي

ولاية «أدم» إحدى ولايات محافظة الداخلية، وتعدّ من أقدم الولايات العُمانية وهي نقطة الانطلاق إلى محافظة ظفار، وكانت في زمن الجاهلية ملتقى لطرق والقوافل وخاصة رحلتي الشتاء والصيف بين اليمن والشام.

وتزخر الولاية بالكثير من المقومات الطبيعية والسياحية، مما جعلها واحدة من أفضل الولايات والوجهات السياحية المميّزة بالسلطنة نظرا لثرائها بالكنوز والمعالم الأثرية والطبيعية التي حباها الله بها، فبالإضافة إلى المعالم الأثرية كالقلاع والحصون والأبراج والمساجد والحارات تشكّل المناطق الصحراوية المفتوحة معظم مساحات الولاية حيث روعة التزلج على الكثبان الرملية. كما تكون عند زيارتها فرصة للتعرّف على عادات وتقاليد أهلها والتمتع بكرم الضيافة البدوي، وتحيط بالولاية البساتين ومزارع النخيل التي ترويها الأفلاج. كما تعرف الولاية بأنها منشأ كثير من الشخصيات العُمانية البارزة، ففيها ولِد ونشأ الإمام أحمد بن سعيد مؤسس الدولة البوسعيدية الذي نشأ في حارة البوسعيد التي تقوم الحكومة بترميمها حاليا وهي من أقدم الحارات العُمانية القديمة، وبها مسجد يعود تاريخه إلى أكثر من 800 سنة، وهو قائم بها إلى الآن، كما أنه نشأ بالولاية المهلب بن أبي صفرة الأزدي العُماني. حدّثنا عنها سياحياً عضو المجلس البلدي بولاية أدم مبارك بن عبدالله المحروقي.

القلاع والحصون

وعن أبرز المعالم في الولاية قال مبارك المحروقي: كما هي العادة فعندما نتحدّث عن أبرز المعالم بالسلطنة أو بولاية من الولايات نبدأ من القلاع والحصون، حيث تعدّ من أبرز المعالم التراثية بالولاية، وقد كانت الولاية تتعرّض بين الحين والآخر للتعدي طمعا في خيراتها مما جعل أهلها يُقيمون القلاع. فهناك عدد من القلاع المزدهرة بصلابتها ونقوشها الفنية بين أروقتها وأقواسها المتداخلة، ويعود تاريخ معظمها إلى ثلاثة قرون فائتة، ومنها قلعة فلج العين وتقع على مشارف الولاية من الجهة الشمالية، وقلعة فلج المالح وتقع على مشارف الولاية من جهة الغرب وتقع على رؤوس الأفلاج لمنع المعتدين من وضع أيديهم على مصادر مياه الولاية. كما أن هناك حصن أدم الذي شُيِّد في عهد اليعاربة ويقع بشموخه العريق الضارب بجذوره إلى مئات السنين في قلب الولاية وقد أنشئ ليكون مقرا للحكم ومسكنا للوالي. وينتشر بالولاية العديد من الأبراج والتي قيل إن عددها يصل إلى 27 برجا وما يزال معظمها قائما إلى اليوم ومنها: برج المجابرة، والرحبة، وبرج جامع البوسعيد الذي يعدّ من أشهر الأبراج في الولاية، وبرج الصباح في حارة بني شيبان والذي يعدّ أعلى برج في الولاية.

الحارات القديمة

وأكد المحروقي أن من أبرز المعالم التراثية والحضارية التي تميّز ولاية أدم عن غيرها الحارات القديمة الحاضنة لبعض البيوت التي ما زالت محتفظة برونقها كما تبقى متماسكة إلى اليوم رغم مرور وتعاقب السنين والأجيال عليها، وهي حارات مبنية بالطين وبتصاميم هندسية بديعة جعلتها تقف صامدة أمام القوى الطبيعية ومن أهمها حارات: (البوسعيد، الهواشم، بني وائل، بني شيبان، الجامع، مبيرز، وحارة المجابرة).

وتعدّ حارة «البوسعيد» واحدة من أبرز الحارات القديمة والعريقَة فِي الولاية وتتخذ شهرتها من مولد مؤسّس الدولة البوسعيدية الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي بها ويوجد بها منزله إلى الآن. وتعتبر من أكبر حارات الولاية التي ما زالت تحتفظ بهويتها الحضارية والأثرية، وتقع في الجهة الجنوبية الغربية من مركز الولاية وهي نموذج مثالي وجزء لا يتجزأ من العمارة التقليدية العُمانية التي تعكس مرحلة من مراحل تطوّر الحارات في السلطنة وهي كغيرها من الحارات القديمة التي تنتشر في مختلف مناطق وولايات السلطنة بتكامل تكويناتها ووحداتها المعمارية المدنية والدفاعية والدينية. ومعظم بيوت الحارة تتكوّن من طابقين وتتألف طوابقها من باحة محاطة بغرف ومرافق مبنية من الطين وهي قليلة العمق حتى تسهل عملية التسقيف، أما حجم البيوت فيختلف من حيث تعدد مرافقها من بيت إلى آخر حسب عدد أفراد الأسرة وإمكاناتها ومستواها الاجتماعي. ويُقال بأن عدد بيوت الحارة يصل إلى 120 بيتا وبها 10 آبار و6 أبراج ومدخل محصن يتخلل سور الحارة وبيوتها المتلاصقة التي أضفت على الحارة عنصرا دفاعيا مميّزا. وتقوم وزارة التراث والثقافة حاليا بترميم الحارة لتكون متحفا مفتوحا يعرض أشكال الحياة اليومية والأنماط المعمارية وما يرتبط بها من عادات وتقاليد.
وأضاف قائلا: يوجد بالولاية أيضا عدد من الحارات القديمة الأخرى مثل حارة الهواشم، التي تأخذ شكلا شبه دائري وهي ما تزال تحتفظ بعمارتها المميّزة وشكلها المستدير الذي يمثّل نمط حارات الواحات، ولها بوابتان وبرجان، ويوجد فيها مسجد الصبارة الذي يتميّز بعمارته ومحرابه الرائع. وحارة بني شيبان، التي تعدّ من أقدم حارات الولاية وأعرقها، كما تعدّ من أهم الأسواق التجارية في الولاية منذ أن كان يُعرف سوقها بسوق الجاهلية حيث كان العرب يتوقفون فيه خلال رحلتي الشتاء والصيف بين اليمن والشام، وقد انفردت بمركزها التجاري القديم الذي ما يزال أحد الأماكن المهمة في الولاية ويشتهر بصياغة الذهب والفضة، وتضم الحارة قرابة 70 بيتا يغلب عليها الطابع التجاري وبها 3 أبراج ومثلها من المساجد.

الأفلاج

وأشار المحروقي إلى أن الولاية تتمتع كما غيرها أيضا بنصيب وافر من الأفلاج العُمانية؛ فهي نظام الري التقليدي المُتَّبع في الولاية، ويُقال بأن عدد الأفلاج بالولاية كان يصل إلى أكثر من 24 فلجا حتى جاء محمد بن نور الذي يُلقّب بمحمد بور لكثرة الدمار الذي أحدثه جيشه أثناء غزوه للبلاد، ولم يبقَ من تلك الأفلاج إلى الآن سوى 4 أفلاج وهي: الشارع، الفليج، المالح، وفلج العين الذي يروي وحده ما تقدّر مساحته بنحو 40% من المساحة غير المزروعة. كما توجد بالولاية أيضا 4 جبال، منها 3 تحيط بمركز الولاية وهي: جبال مضمار، حنيدلة، وصلخ والرابع هو عبارة عن جبل من ملح يقع جنوب الولاية.

مسجد «باني روحه»

كما أشار المحروقي إلى أن واحدا من المعالم الفريدة والقديمة في الولاية هو مسجد «باني روحه»، وقد اتّخذ هذا الاسم من قول بأنه مسجد قام ببناء نفسه بنفسه، ويُقال بأن هناك رواية تاريخية أو أقرب إلى الأسطورة حوله تقول بأن أهالي المنطقة اختلفوا فيما بينهم أثناء إنشاء المسجد وباتوا على هذا الخلاف وما أن حلّ الصباح حتى فوجئوا بأن المسجد قد تم بناؤه دون وجود آثار لمواد البناء على سقفه. كما أن هناك الكثير من المساجد الأخرى بالولاية والتي لا تقل شهرة عن هذا المسجد ومنها «مسجد الجامع» في حارة البوسعيد والذي بُني في عهد الأزد وقيل في العام 717هـ، ويعدّ تحفة معمارية ومعلَما للتقدم الفني في مجال الهندسة المعمارية ودليلا على اهتمام العُماني بالمساجد في كافة أرجاء البلاد، كما أن هناك مسجد الرحبة ومسجد الهواشم وغيرها الكثير.