جدل أميركي حول ليبيا

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٤/مارس/٢٠١٦ ٢٣:٥٠ م
جدل أميركي حول ليبيا

جاكسون ديل

إذا كان أي من دونالد ترامب أو هيلاري كلينتون سيكون اختيارنا للرئيس القادم من المؤكد أننا سنشهد جدالا بغيضا حول جدار المكسيك ورسائل البريد الالكتروني وجامعة ترامب ناهيك عن التجارة أو التعذيب، كما أننا سنسمع كثيرا أيضا عن دولة صغيرة في شمال افريقيا عدد سكانها 6 مليون نسمة وهي ليبيا. أما ترامب فسيقول عن ليبيا أنها دليل ناصع على عدم كفاءة كلينتون، وسيزعم أنها كانت ضمن المجموعة التي دفعت بالتدخل الأمريكي هناك إبان ثورة عام 2011 ضد الديكتاتور معمر القذافي وكانت النتيجة كارثية: فوضى وحرب أهلية وقاعدة جديدة لداعش وقتل السفير الأمريكي. والآن يقول ترامب أن القذافي كان يجب أن يظل في مكانه. وربما ترد كلينتون أن العملية الجوية التي نفذها الناتو هناك حالت دون مذبحة بشرية مماثلة لسوريا، وأن ترامب قد أيد بشدة تلك العملية آنذاك.
وخلافا لكثير مما قد يتم تمريره للجدل الانتخابي فهذه القضية تستحق التوقف عندها بالفعل، فليبيا ليست قصة فشل أمريكي وحسب بل هي مشكلة قد يتاح للرئيس القادم الفرصة للتعامل معها بصورة صحيحة سواء رغب في ذلك أم لم يرغب. وكما يطلق جنرالات الجيش الأمريكي تحذيرات متزايدة فإن داعش تقوم ببناء قاعدة لها هناك، ومن الممكن أن تصبح ليبيا معقلا جديدا لها إذا سقط مقرها في العراق وسوريا، كما أنها قد تصبح مركز انطلاق سهل لتنفيذ هجمات ضد عواصم أوروبية. ومن ثم فتدخل أمريكي آخر في ليبيا هو مسألة متى وكيف وليس هل.
ولحسن الحظ فقد قدمت وسائل الإعلام للمرة الأولى تقارير دقيقة عن الأخطاء التي وقعت، فصحيفة نيويورك تايمز نشرت مؤخرا سلسلة مقالات كما قدمت واشنطن بوست تحليلها العام الفائت . وما يلفت النظر هو الدرجة التي كرر بها الرئيس أوباما في ليبيا – الذي ترشح معارضا للحرب في العراق – معظم أخطاء جورج دبليو بوش في العراق. كان أولها الفشل في أي تخطيط لليوم التالي بعد سقوط الديكتاتور، وهو الخطأ الذي اعترف أوباما نفسه – في حالة نادرة – بإرتكابه، وقال ان الولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو لم يقدروا جيدا مدى الحاجة الى بقاء قوة كبيرة بعد الحرب ، تماما كما فعل بوش في بغداد.
ثم كان هناك الاعتماد المفرط على مجموعة من السياسيين الموجودين في المنفى ممن يجيدون اللغة الانجليزية، الذين أكدوا لواشنطن أنهم قادرون على السيطرة على ليبيا وبناء نظام جديد في فترة وجيزة. ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز فقد وقعت كلينتون في شرك محمود جبريل، رئيس مجلس معارضة متعلم في أمريكا، مثلما حدث في العراق مع أحمد الجلبي، الذي تودد الى بوش الأب والابن، إلا أن جبريل أثبت أن تأثيره في بلده أقل بكثير من تأثيره في واشنطن.
وأخيرا وليس آخرا كان قرار الولايات المتحدة بالتركيز على المعايير السياسية بينما تجاهلت المشاكل الأمنية المتزايدة. وفيما قامت الميليشيات بنهب أسلحة من مخزونات القذافي وأجبرت السلطات المؤقتة على وضع المسلحين في كشوف الرواتب، كان الدبلوماسيون الأميركيون يعملون على خطط لإجراء انتخابات سريعة، مرتكبين نفس الأخطاء في العراق على حد وصف السفير الفرنسي في الولايات المتحدة جيرار ارو لصحيفة التايمز.
وبالطبع فأوباما لم ينشر مئات الآلاف من الجنود كما فعل بوش، ولكن هذا قد يفسر الفرق الرئيسي بين العراق وليبيا. ففي العراق قضت القوات الأمريكية على المسلحين، كما قامت أيضا بتدريب وتجهيز جيش وطني كبير. ولو أن أوباما لم يتعجل في سحب القوات الأمريكية، ربما لم يكن داعش قد كسب موطئ قدم هناك.
ويبدو أن البعض في إدارة أوباما قد اتخذ فشل ليبيا درسا في عدم جدوى جميع المشاريع الأمريكية في الشرق الأوسط، ومنطقهم يقول: لقد حاولنا احتلال العراق وأفغانستان وكان لنا تواجد محدود في ليبيا ونأينا بأنفسنا تماما عن سوريا، وفي كل حالة كانت النتيجة كارثية، فربما يكون الأمر أن الشرق الأوسط معضلة تستعصي على الحل.
وهذا بطبيعة الحال هو وجهة نظر حلف ترامب، وإذا كان هناك ثمة بديل ربما جاء – للمفارقة – من كلينتون، التي كان دافعها للتدخل في ليبيا أكثر تماشيا مع ذلك الميل الأكبر لتأكيد قوة الولايات المتحدة واستعراض المزيد من العضلات عن أوباما.
وقد جادلت بالتزام أكبر للولايات المتحدة بالأمن الليبي بعد سقوط القذافي، ولدعم عسكري للمسلحين السوريين إلا أنها اصطدمت بمعارضة البيت الأبيض. ويبدو انها قد فهمت أن الفشل المتتابع للولايات المتحدة في الشرق الأوسط لم يكن لأنها حاولت، ولكن لأنها لم تبذل الجهد الكاف في تلك المحاولات. فواشنطن فشلت في التخطيط وفي تقليص الموارد في اللحظات الحاسمة وكذا في انسحابها بسرعة كبيرة.

نائب رئيس تحرير صفحة الآراء في صحيفة واشنطن بوست ومتخصص في الشؤون الخارجية