محمد العاصمي
كما تناولت في مقال سابق أن المفاجآت سوف تكون حاضرة في هذه النسخة المونديالية مثلها مثل سابقاتها من البطولات. إن خروج الكبار والمرشحين أمر وارد بحكم العادات والتقاليد التي تغلّف كرة القدم؛ فلكل مباراة ظروفها الخاصة وهذه الظروف قد تُطيح بكل التوقعات، ولذلك فالتوقع الصحيح في عالم المستديرة أمر أشبه بالحلم فالمعطيات قد تتغيّر وتنقلب في أي لحظة والتحولات قبل وأثناء سير المباريات تحسم الأمور والتفاصيل الدقيقة تكون ذات أهمية كبيرة، وقد يكون ما حصل مع الإسبان في مباراتهم أمام أصحاب الأرض والجمهور خير دليل، فبالرغم من السيطرة المطلقة والتقدم لمنتخب الـ”لاروخا” إلا أن الفريق الروسي استطاع أن يتعادل ويصل بالمباراة لأبعد نقطة وهي الضربات الترجيحية ليحسمها لصالحة. في هذا اللقاء لعبت عدة عوامل لصالح الروس مثل الأرض والجمهور والحماس والثقة بعد التعادل والتركيز العالي وترابط الخطوط.
رغم أن الفريق الروسي لم يكن مرشحاً للوصول أبعد من الدور الثاني في أحسن الأحوال قبل المونديال نظير ما قدّمه من أداء متواضع في مشوار التحضير للبطولة ولكن كما ذكرنا سابقاً المعطيات تتغيّر والنتائج تتغيّر.
وبالرجوع لنفس اللقاء نلاحظ أن هذا المونديال أدار ظهره لفكرة الاستحواذ فأغلب الفرق الخاسرة استحوذت أكثر على الكرة ولكنها فشلت في حسم النتيجة، وحتى لا نظلم فكرة الاستحواذ يجب أن نسميه التسمية الصحيحة له وهو الاستحواذ السلبي والذي شاهدناه في أغلب المباريات التي خسرها أصحاب هذا الأسلوب؛ والسبب أن فكرة الاستحواذ تقوم على إبقاء الكرة بين أقدام الفريق أكبر وقت ممكن والتمرير الصحيح المتقن والانتقال في المساحات بعدد أكبر من اللاعبين واحتلال مناطق المنافس والتمركز الصحيح لأفراد الفريق وسرعة الارتداد وإعادة التمركز، ثم يأتي الأمر الأهم في فكرة الاستحواذ وهو سرعة استرجاع الكرة بعد فقدانها من خلال الضغط الفردي والجماعي المنظم. هذه هي فكرة الاستحواذ التي تميّز بها برشلونة بيب جوارديولا وإسبانيا اراجونيس والتي انطلقت من جوارديولا نفسه الذي يعتبر مساعدا حقيقيا لهذا الأسلوب الجميل في اللعب، ولكي يكون التطبيق صحيحاً فلا بد من وجود نوعية خاصة من اللاعبين أصحاب المهارة العالية في التمرير والاحتفاظ بالكرة والتحرك الصحيح واللعب تحت الضغط والذكاء. هذه العوامل قد تجعل من تنفيذ أسلوب الاستحواذ أمرا سهلا. وبالرجوع للفرق التي خسرت رغم الاستحواذ نجد أنها أخفقت في تطبيقه نتيجة عدم تمكنها من اللعب بهذا الأسلوب لعدم توفر عامل أو أكثر من عوامل نجاحه؛ فإسبانيا مثلاً لم تكن جيّدة على مستوى الاسترجاع الفوري للكرة ولم تكن جيّدة في إغلاق المساحات وفشلت في سرعة التحوّل بين الحالة الهجومية والدفاعية، ومثلها الأرجنتين وألمانيا جميعها فشلت في ترجمة استحواذها على الكرة أكثر من المنافس وخرجت من المونديال.
وحدها البرازيل ظلت بعيدة عن المفاجآت التي أطاحت بكبار العالم في المونديالات السابقة، وقد يكون خروج البرازيل في مونديال 1966 هو الخروج المفاجئ الوحيد للبرازيليين من الدور الأول حيث لم تخرج بعدها من أي مونديال قبل دور الـ8 وهذا الأمر ليس مصادفة بكل تأكيد؛
فبجانب الإمكانيات البشرية من المواهب التي تمتلكها البرازيل والتي جعلتها تتسيّد كرة القدم العالمية تأتي العقلية بدرجة لا تقل عن سابقتها أهمية، فالبرازيليون يمتلكون خبرة كبيرة لا تُقارن بأي منتخب في التعامل مع البطولات ويتعاملون مع المباريات بتركيز عال جداً وواقعية تتصاعد مع تقدم أدوار البطولة ولا يتركون للصدف حيّزا كبيرا ويتعلّمون من الدروس بسرعة ويسخّرون الظروف المُثلى لكل مباراة، وفي هذه البطولة شاهدنا كيف أن رتم الفريق يتصاعد من مباراة لأخرى وكيف أن ثقة الفريق بنفسه تتزايد خصوصاً بعد صدمة مونديال 2014 وخسارتها من الألمان بسباعية كان لا بد من استعادة الثقة للدخول في البطولة وهذا ما عمل عليه مدرّبها تيتي الذي يعود له الفضل في التحوّل الكبير الذي حدث للبرازيل بعد استلامه التدريب خلفاً لدونجا، فهو مدرّب عبقري وذو أفكار واضحة ويكاد يكون المدرّب الوحــــيد الذي أعلن قائمته النهائية دون قوائم أولية وربما اختياره اللعب مع ألمانيا قبل المونديال أمر فيه من الذكاء الكثير.
البرازيل في هذا المونديال ما زالت لم تتعرّض للاختبارات الجدية وربما لقاء بلجيكا في دور الثمانية سيكون البداية الحقيقية للسيليساو المرشح الأبرز للتويج باللقب ليكون النجمة السادسة في القميص الأصفر.