الجمعيات التعاونية بين ضبط الأسواق والأعباء

بلادنا الخميس ١٢/يوليو/٢٠١٨ ٠٣:٣٤ ص
الجمعيات التعاونية بين ضبط الأسواق والأعباء

مسقط - محمد سليمان

ما بين مؤيد ومعارض تناول الخبراء والمسؤولون قضية الجمعيات التعاونية، ورغم أن معظم الآراء جاءت مؤيدة لهذه الجمعيات إلا أن رئيس اللجنة الاقتصادية في مجلس الدولة كان له رأي مغاير، إذ اعتبر أن الجمعيات التعاونية لن تسفر إلا عن مزيد من الأعباء الاقتصادية، فيما اعتبر آخرون أن الجمعيات التعاونية الاستهلاكية يمكنها أن تكون المواجه الأول في عملية ضبط الأسواق من حيث المنافسة والأسعار.

يأتي ذلك في توقيت شهدت فيه ولاية شناص إنشاء أول جمعية تعاونية في السلطنة بدأت فكرتها في العام 2014 ولعدم وجود قانون للجمعيات التعاونية افتتحت كأول متجر استهلاكي بمفهوم الجمعية التعاونية، وفقاً لما صرح به لـ «الشبيبة» رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي للمشروع د.يوسف بن عبدالله الملا، وذلك لعدة أهداف منها تحقيق القيمة المضافة لعموم المستهلكين، وتقديم قيمة مضافة للسوق، وإضافة خدمة عالية بأسعار تنافسية، كون المتجر هو الأول من نوعه على مستوى السلطنة، وقد حصل على دعم لوجسيتي من الجهات المعنية لاسيما أن موقعه بميناء شناص ساهم في رواجه بصورة أكبر.

وجهة نظر

رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الدولة المكرم الشيخ محمد بن عبد الله الحارثي قال لـ «الشبيبة»: لا يمكن إنشاء جمعيات تعاونية بالسلطنة نظراً لعدم وجود قانون خاص بها ينظمها.
وأوضح الحارثي أن إنشاء الجمعيات التعاونية يحتاج إلى إجراءات وآليات قانونية خاصة بها تتمحور في كونها غير ربحية تؤسسها مجموعة من الأشخاص يتشاركون ثم يقومون بإنشاء هذه الجمعيات، وبالرجوع إلى تاريخها نتأكد أنها تختلف بشكل جذري عن المجمعات والأعمال التجارية.
وأكد الحارثي أنه لا يوجد احتكار بالسلطنة حتى نقول إن هذه الجمعيات ستواجهه، متسائلا: على أي أساس يردد البعض أن هناك احتكارا بالسلطنة؟ فأسواق المواد الغذائية مفتوحة ويمكن لأي شخص أن يستورد ويدخل السوق للمنافسة، ووفقا لمعلوماتي فإن هامش الربح في السوق الغذائية لا يزيد على 2 %، مشيراً إلى أن الهامش الربحي قليل والمنافسة ضئيلة جداً ومن ثم فإن الحديث عن الاستحواذ هو في غير محله.
وأشار رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الدولة إلى أنه باستعراض بعض تجارب دول الخليج التي أنشأت جمعيات تعاونية نجد أن أسعار المنتجات الغذائية الموجودة فيها تكون متقاربة إلى حد كبير مع المعروض في المجمعات التجارية إلا إذا كانت مدعومة من قبل الحكومة، لذا ينبغي في البداية وقبل التوجه لفكرة إنشاء الجمعيات التعاونية الاستهلاكية «تحديد الهدف» مثل أن تكون «بهدف بيع المنتجات بأسعار أقل» أو أن يكون الهدف منها «توفير فرص عمل» وفي كل هدف يمكننا أن نجد بدائل أخرى أفضل من الجمعيات التعاونية يمكنها أن تؤدي دوراً أكبر دون تحقيق خسائر.
وأضاف: وفق كل المعطيات فإن الجمعيات التعاونية يصعب عليها المنافسة في السوق، وقد تمت تجربتها في السلطنة في وقت سابق بالتعاون مع بعض الجهات الحكومية لكنها منيت بخسائر، ثم كان التوجه بالتعاون مع متخصصين في هذا المجال، وفي هذا السياق فمن الأوْلى إنشاء شركات وطنية يمكنها منافسة التجمعات التجارية الأجنبية توظف الكوادر العمانية، وذلك بعيداً عن توجهات الرأي العام العاطفية البعيدة عن الوعي والخبرة مثلما حدث سابقا من مطالبات بإنشاء البنوك الإسلامية حيث لم تحظ بالقدر الكافي من الإقبال، حتى إن البعض كان يعتقد أنها تمنح «معاشات ضمان اجتماعي» ولا يدرك أنها بنوك استثمارية تسعى لتحقيق الربح.
واختتم رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الدولة حديثه بالقول: إن إنشاء جمعيات تعاونية يحمل الدولة أعباء اقتصادية إذا ما احتاجت إلى الدعم الحكومي «أي مثل موضوع دعم الوقود»، بالإضافة إلى أنه يجب التركيز والتوجه لصناعة منتج محلي قادر على المنافسة في السوق بدلا من التورط ومن ثم الإفلاس من إنشاء الجمعيات التعاونية.

الرأي الآخر

رئيس لجنة الخدمات والتنمية الاجتماعية بمجلس الشورى، سعادة حمود بن أحمد اليحيائي، رأى القضية من وجهة مختلفة قائلاً في تصريحات لـ «الشبيبة»: قطاع التعاونيات بات قطاعا عالميا واسعاً شئنا أم أبينا، وهناك اتحاد عالمي للتعاونيات، لكن السلطنة ولكي يكون فيها قطاع ناجح للتعاونيات لابد من وجود بيئة تشريعية متكاملة تخدم هذا القطاع، مع السعي لعدم إنشاء هذه التعاونيات في قطاع واحد وإنما في مجالات مختلفة منظمة ومبنية على خبرة ودراية.
ولا يقتصر مفهوم التعاونيات على تحقيق عوائد اقتصادية فقط مثل التوظيف أو كسر الاحتكار أو الحد من ارتفاع الأسعار أو غيرها من القضايا الاقتصادية الأخرى، وإنما تنمية القدرات والخبرات المحلية وجعل المجتمع مستعداً لمواجهة أي أزمة مستقبلية عبر إستراتيجية «قيادة المجتمع لنفسه بنفسه» وتحقيق اكتفائه الذاتي.
وأضاف اليحيائي أن دعم الدولة للتعاونيات لا يعني فقط تقديم الدعم المالي وتحمل خسائرها، وإنما تقديم «حوافز» مثل منح القروض أو الشراء والبيع وذلك مثل دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أو دعم القطاع الخاص، وسيحدد تلك الحوافز القانون التشريعي الذي سينظم عملها في السلطنة. فلا ضير أن تقوم الحكومة بدعم التعاونيات إذا ما وجدت نجاحاً مما سيفتح مجال عمل للمواطنين.

حماية المستهلك

مدير دائرة الدراسات وبحوث السوق بالهيئة العامة لحماية المستهلك، د.خلفان بن محمد المبسلي قال: الجمعيات التعاونية الاستهلاكية خطوة مهمة للتقدم نحو التنافسية والمنافسة ومنع الاحتكار، كذلك فتح أبواب الفرص للعمانيين، هذا بالإضافة إلى إيجاد منافسة للمراكز التجارية الموجودة حالياً والتي يسيطر بعضها على الأسواق. وأضاف: إذا ما أتيحت الفرصة لإنشاء جمعيات تعاونية استهلاكية لن يكون بها ضرائب على الموردين العمانيين بشكل مبالغ فيه، وإنما ستوفر بيئة عمل آمنة للمواطنين والمستهلكين، بالإضافة إلى إيجاد نوع من التوازن الاقتصادي.

اتجاه صحيح

ويقول مستشار الجمعية العمانية لحماية المستهلك حسان الملكاوي: الجمعيات التعاونية هي مؤسسات أهلية وذات طابع اجتماعي واقتصادي وتشرف عليها الجهات المختصة حسب القانون، وتدار من مجالس إدارة منتخبة، وهي فكرة جيدة وبادرة ممتازة وخطوة من الخطوات في الاتجاه الصحيح والصائب وتهدف إلى تنمية المجتمع المحلي وتعزيز قيم التعاون والمشاركة والعمل بروح الفريق الواحد ونكران الذات وزيادة التماسك وفق قاعدة أن قيمة الإنسان بما يعطي ويقدم لا بما يملك أو يأخذ، وتساهم الجمعيات التعاونية في توفير السلع الاستهلاكية بهوامش ربح اقل وبأسعار مناسبة وبزيادة الوعي ونشر ثقافة حماية المستهلك وتوفير المنتجات والبدائل بأسعار معقولة، وهي أداة من الأدوات المهمة في محاربة الاحتكار أو التحكم بالسوق وأيضا من أدوات معالجة التضخم بالإضافة إلى توفير فرص عمل جديدة وتوفير الوقت والجهد وتقليل التكلفة على المستهلك، وفتح أبواب تسويقية جديدة للمنتجات ودعم القطاع الصناعي والزراعي وكافة القطاعات المحلية والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى تحسين الوضع الاقتصادي للمساهمين وضخ أموال جديدة في السوق وتحقيق عوائد ربحية جيدة.